أو بالغلّو في الامام الحقّ بان يقول فيه ما لم يقله هو في حقّه أو في سائر الحقوق الإلهيّة والخلقيّة ، أو في جملة الأفعال الصّادرة من المدارك والقوى العمّالة فانّ المفرط والمفرّط فيها متجاوز عن الحدّ وعاد ، وقد فسّر بكلّ منها في الاخبار (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) في الاكل عن هذه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يستر عليكم ما هو نقص وشين لكم (رَحِيمٌ) يرحمكم بالاذن في المخمصة ان ترتكبوا ما حرّمه عليكم في غيرها ، عن الصّادق (ع): من اضطرّ الى الميتة والدّم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتّى يموت فهو كافر (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) امّا المقصود منافقو الامّة واسقاطهم من الكتاب مناقب علىّ (ع) ومثالب أحزابهم ولذا أتى بالمضارع اخبارا بما يقع بعد ، أو المراد أعمّ من أهل الكتاب ومنافقي الامّة و «من الكتاب» صلة أنزل اى ما أنزل الله من اللّوح المحفوظ أو من مقام النّبوّة وهو مقام القلب الى الصّدر وعالم الطّبع أو حال ممّا أنزل الله ، ومن للتّبعيض على ان يكون المراد بالكتاب التّدوينىّ أو اعمّ منه ومن احكام النّبوّة (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) قد مضى بيان مبسوط لاشتراء الثمن القليل بالآيات في اوّل السّورة عند قوله (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)(أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ) اى ما يدخلون بالأكل من الأعواض الّتى يأخذونها بما أنزل (فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) ومثل هذه قد تكرّر في الكتاب والكلّ مبنىّ على التّضمين (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كناية عن عدم الاعتداد بهم لشدّة الغضب (وَلا يُزَكِّيهِمْ) لا يطهّرهم ، أو لا يثنى عليهم بأنّهم أزكياء ، أو لا ينعم عليهم من زكى الرّجل إذا صلح وتنعّم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) اى استبدلوا الضّلالة الّتى هي ملك الشّيطان بالهدى الّذى كان لهم ملكا في الدّنيا (وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) في الآخرة (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) فما أجرأهم على فعل يدخلهم في النّار ويبقيهم فيها فهو تعبير عن الشّيء باللّازم ولذا اختلف الاخبار في تفسيرها واختلف المفسّرون في بيانها (ذلِكَ) المذكور من الحكم على كاتمي ما انزل الله بإدخال النّار وعدم تكليمهم الله وعدم تزكيتهم وثبوت العذاب الأليم لهم واستبدال الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة (بِأَنَّ اللهَ) بسبب أنّ الله فهو خبر لذلك لا حاجة له الى تقدير مبتدء أو خبر أو فعل ناصب (نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بسبب الحقّ المخلوق به وهو المشيّة الّتى خلق الأشياء بها ، أو متلبّسا بالحقّ موصوفا به ، أو مع الحقّ مقارنا له فالكاتم له كاتم للحقّ ومستحق لما ذكر ، والمراد بالكتاب أحكام النّبوّة والتّوراة والإنجيل والقرآن صورتها (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا) عطف على (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) واختلف ضدّ اتّفق أو بمعنى تردّد وعلى الاوّل فالمعنى انّ الّذين اختلفوا معك أو انّ الّذين وقع الاختلاف بينهم وعلى الثّانى فالمعنى انّ الّذين تردّدوا (فِي الْكِتابِ) لاستنباط الأحكام الشّرعيّة ولان يقيسوا ما لم يكن فيه بما يجدونه فيه والمراد بالكتاب أحكام النّبوّة والتّوراة والإنجيل والقرآن صورتها (لَفِي شِقاقٍ) لفي ظرف منكم أو من الله (بَعِيدٍ) أو لفي عناد معكم وعداوة.
اعلم انّ من استسلم وانقاد لنبىّ (ص) أو وصىّ ليس من شأنه ان يخالف أمثاله في حكم من الأحكام لانّه ليس له رأى في شيء من نفسه وانّما هو منقاد لغيره بخلاف من لم يكن منقادا لنبىّ (ص) أو وصىّ فانّ