الشّيطان متمكّن منه لا محالة الّا ان يكون في حكم المنقاد ، ومن تمكّن الشّيطان منه لا يمكن له التّوافق مع أحد بل كان شأنه الاضطراب في الآراء وعدم الثّبات على شيء منها والخلاف والعناد مع كلّ النّاس فالمؤمنون ان كان أحكامهم مختلفة كانوا متوافقين مترافقين متّحدين ، وغير المؤمنين ان كانوا متوافقين في الأحكام كانوا متخالفين متعاندين غير خارجين من العناد ، وما نقل من اختلاف أصحاب الائمّة مع بعض لا ينافي مرافقتهم مع كلّ النّاس لأنّ المخالفة الّتى ظهرت فيهم لاستلزام المخالفة من طرف ظهورها في طرف آخر.
(لَيْسَ الْبِرَّ) كلام مستأنف لابداء حكم آخر أو جواب سؤال ناش من السّابق كأنّه قيل : فما بالنا اختلفنا في القبلة بالصّلوة الى بيت المقدّس تارة والى مكّة أخرى وأمر القبلة من الكتاب؟ ـ فقال : ليس الطّاعة (أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) على انّ الاختلاف في العمل من باب التّسليم لأمر الآمر الإلهيّ اتّفاق في الاعتقاد والقول بخلاف الاختلاف من آراء مختلفة ، والبرّ بكسر الباء مصدر بمعنى الصّلة والخير والاتّساع في الإحسان والصّدق والطّاعة ، والإحسان الى الغير ضدّ العقوق وفعله من باب علم وضرب وهذا ردّ على من خاض من أهل الكتاب في أمر القبلة بعد تحوّل المسلمين الى الكعبة وعلى من خاض من المسلمين في أمرها بعد صرف وجوههم الى الكعبة ، روى عن السّجّاد (ع) انّه قال : قالت اليهود قد صليّنا على قبلتنا هذه الصّلوات الكثيرة وفينا من يحيى اللّيل صلوة إليها وهي قبلة موسى الّتى أمرنا بها ، وقالت النّصارى : قد صليّنا الى قبلتنا هذه الصّلوات الكثيرة وفينا من يحيى اللّيل صلوة إليها وهي قبلة عيسى الّتى أمرنا بها ، وقال كلّ واحد من الفريقين : أترى ربّنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلوتنا الى قبلتنا لأنّا لا نتّبع محمّدا (ص) على هواه في نفسه وأخيه فأنزل الله يا محمّد (ص) قل : ليس البرّ والطّاعة الّتى تنالون بها الجنان وتستحقّون بها الغفران ان تولّوا وجوهكم قبل المشرق يا أيّها النّصارى وقبل المغرب يا أيّها اليهود وأنتم لأمر الله مخالفون وعلى ولىّ الله مغتاظون (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) حمل الّذات على المعنى مثل حمل المعنى على الذّات محتاج الى تصرّف فهو امّا بتقدير مضاف في الاوّل أو في الثّانى أو بجعل البرّ بمعنى البارّ أو بادّعاء الاتّحاد بين المعنى والذّات للمبالغة في اتّصاف الذّات بالمعنى (بِاللهِ) يعنى انّ البرّ الايمان والإذعان بالله والتّسليم له وهو روح العمل لا صورة العمل واعتبار الجهة فيه (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى الإقرار بالمبدأ والمعاد (وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ) الّذى هو الشّريعة الإلهيّة (وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) اى مشتملا على حبّ الله أو على حبّ المال أو على حبّ الإيتاء وعلى الثّلاثة يجوز ان يكون الضّمير المجرور فاعلا راجعا الى من آمن وواحد من هذه الثلاثة مفعولا مقدّرا ، ويجوز ان يكون راجعا الى واحد من هذه الثلاثة مفعولا والفاعل محذوفا ، ويجوز ان يكون راجعا الى الله فاعلا (ذَوِي الْقُرْبى) ذوي قرباه أو ذوي قربى النّبىّ (ص) يعنى يعطى من ماله ندبا أو من الخمس فرضا وامّا الزّكاة الفرض فانّها تذكر بعد (وَالْيَتامى) عطف على القربى على عدم جواز إعطاء الصّدقات المستحبّة للأيتام أنفسهم ، أو على تقدير كون المال من الحقوق الواجبة ، أو عطف على ذوي القربى وهو جمع اليتمان بمعنى اليتيم ويتم من باب ضرب وعلم بمعنى انفرد لا نظير له وفقد الأب في الاناسىّ والأمّ في سائر الحيوان إذا لم يبلغ (وَالْمَساكِينَ) المسكين أسوأ حالا من الفقير لكن إذا افترقا اجتمعا (وَابْنَ السَّبِيلِ) اى المسافر الّذى انقطع نفقته وكان