بالرّجل فلمّا جاء الإسلام تحاكموا الى رسول الله (ص) فنزلت فأمرهم بالتكافؤ (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) اى الجاني الّذى عفى له (فَمَنْ) قبل (أَخِيهِ) الّذى هو ولىّ الدّم أو من دم أخيه المقتول وأدّاه بلفظ الأخوّة للاشعار بانّ العفو يقتضي ويقتضيه التّعاطف فالمناسب في المقام اللّفظ الّذي يقتضي ويقتضيه التعاطف (شَيْءٌ) من العفو وهو العفو من القصاص دون الدّية أو شيء من العفو بان عفى وارث واحد (فَاتِّباعٌ) اى فليكن من العافي اتّباع أو فحكمه اتّباع أو فعليه اتّباع للعفو في مطالبة الدّية (بِالْمَعْرُوفِ) بطريق يستحسنه العقلاء ويعرفونه بالحسن يعنى لا يكون في مطالبة الدّية تعنّف ولا إضرار ولا زيادة على القدر المقرّر وليكن من الجاني (أَداءٌ) للدّية (إِلَيْهِ) الى العافي (بِإِحْسانٍ) متلبّسا بنحو من الإحسان وصيّة للعافى بالمداراة وعدم التعنّف وعدم التعدّى وللجاني بعدم المماطلة وعدم الخدعة والبخس والإكراه (ذلِكَ) اى الاذن في العفو مع الانتقال الى الدّية أو بدونه يعنى التّخيير بين الثلاثة فانّ العفو عن الدّية يستفاد بطريق اولى من العفو عن القصاص المستفاد من قوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ) (الى آخرها) (تَخْفِيفٌ) فيما فرضنا عليكم من المؤاخذة بالجناية (مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) منه عليكم بتجويز العفو المستلزم لبقاء النّفوس وعدم تكليف ولىّ المقتول بالعفو بلا عوض ، نقل انّه كان لأهل التّوراة القصاص أو العفو ، ولأهل الإنجيل العفو أو الدّية ، ولهذه الامّة التخيير بين الثّلاثة ونسب الى الرّواية انّ القصاص كان في شرع موسى (ع) والدّية كانت في شرع عيسى (ع) فجاءت الحنيفيّة السمحة بتشريع الأمرين (فَمَنِ اعْتَدى) تجاوز عمّا حدّ له من أولياء الدّم ومن الجاني (بَعْدَ ذلِكَ) المذكور من القصاص أو العفو أو الدّية (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) قد مضى وجه توصيف العذاب بالألم ، ولمّا جاز ان يتوهّم من تشريع القصاص انّ فيه افناء للنّفوس البشريّة وافناء النّفوس البشريّة خلاف الحكمة الإلهيّة كما عليه الملل الباطلة رفع ذلك لتّوهّم بأنّ في القصاص إبقاء للنّفوس لا افناء لها ؛ لانّ في تشريع القصاص ردعا لجملة النّفوس عن التّجرّى على القتل ففيه افناء نفوس قليلة وإبقاء نفوس كثيرة بخلاف تركه فقال : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) وذكروا وجوها من التّرجيح لهذا الكلام على مقابله الّذى هو قول القائل القتل انفى للقتل (يا أُولِي الْأَلْبابِ) خصّ اولى الألباب بالنّداء تشريفا لهم ، ولأنّهم يعرفون وجه كون الحيوة في القتل ، ولأنّهم المخصوصون بتشريع الأحكام والمنظور إليهم في خلق الأشياء المعتنى بهم للبقاء دون غيرهم (لَعَلَّكُمْ) يا اولى الألباب (تَتَّقُونَ) ترجّى ناش من ذكر القصاص أو من إيداع الحيوة في القصاص ، أو من ذكر الحيوة ؛ فان كان الاوّلان فالمعنى شرع الله لكم القصاص أو جعل الحيوة في القصاص لعلّكم تتّقون القتل أو تتّقون المعاصي أو تتّصفون بالتّقوى ، وان كان الثّالث كان المعنى استبقاءكم لعلّكم تتّقون المعاصي أو تتّصفون بالتّقوى والتّرجّي من الله ليس على حقيقته لانّ التّرجّى لا يكون الّا من جاهل مترقّب لحصول مرغوب خارج عن اختياره والحقّ ليس كذلك فهو منه تعالى بمعنى التّعليل أو لجريه تعالى شأنه على شاكلة الملوك والأكابر من الخلق حيث يعدون مواعيدهم الّتى ينجّزونها بليت ولعلّ وعسى حتّى لا يتّكل من يعدونه على الوعد ويكونوا بين الخوف والرّجاء ، أو لملاحظة حال العباد وانّ شأنهم شأن الرّجاء والأطماع فالتّرجىّ باعتبار حال المخاطب.
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) استيناف لإظهاره حكم آخر غير مرتبط بسابقه