المشركين يريد ان يعلو عليهم الجبل فقال النّبىّ (ص) لا يعلنّ علينا ووثب نفر رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتّى هزموهم وعلا المسلمون الجبل ونزلت الآية ، وقيل : نزلت بعد يوم أحد حين امر الله رسوله (ص) بطلب القوم وقد أصابهم من القتل والجراح ما أصابهم وقال رسول الله (ص) لا يخرج الّا من شهد معنا بالأمس فاشتدّ ذلك على المسلمين فنزلت الآية (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعنى ان كنتم باقين على الايمان كنتم اعلون أو هو شرط تهييجىّ لقوله : لا تهنوا (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) قرئ بالفتح والضّمّ وهما مصدران ، أو القرح بالفتح مصدر وبالضمّ اسم المصدر بمعنى الم الجراح (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) ببدر أو في تلك الغزوة (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) اى ايّام الغلبة والسّرور والنّعمة فانّه يكنّى بالايّام عن النّعمة والسّرور فيقال : هذه ايّام فلان يعنى وقت سروره ونعمته (نُداوِلُها) اى نديرها بالنّوبة (بَيْنَ النَّاسِ) فنعطى السّرور والظّفر والغنيمة يوما للمؤمنين ويوما للكافرين لئلّا يغتّر المؤمنون ويسكنوا الى الدّنيا ويجعلوا ايمانهم وسيلة لراحة دنياهم ولئلّا يدخل المنافقون في الإسلام طلبا للدّنيا فيزاحموا الأنبياء ويفتنوا المؤمنين (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) اى ليظهر علمه بالّذين أسلموا حقيقة أو ليعلم نبيّه الّذى هو مظهر اسمه الجامع الّذى هو الله ولذلك التفت من التّكلّم الى الغيبة (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ) بالابتلاء والامتحان (شُهَداءَ) على الناس أو أمناء في الشّهادة أو رجالا لا يغيب عن علمهم شيء كالاوصياء والأولياء أو قتلى في سبيل الله ويظهر ظلم الظّلمة منكم ومن الكفّار بسبب الغلبة والمغلوبيّة واكتفى عنه بقوله (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فانّه يدلّ عليه مع شيء زائد والمراد بنفي المحبّة في مثل المقام إثبات الغضب عليهم كما مرّ مرارا (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) من الاهوية والأغراض الفاسدة بسبب المغلوبيّة ومن الذّنوب بسبب تحمّل الأذى ، أو ليميز الله الّذين آمنوا من الّذين كفروا ممّن انتحل الإسلام ، أو ليميز الله الّذين آمنوا من الّذين كانوا كافرين بإعلان كلمة المؤمنين (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) من حيث ذواتهم باهلاك بعض وأسر بعض واجلاء بعض ، أو من حيث كفرهم بإدخالهم طوعا أو كرها في الإسلام (أَمْ حَسِبْتُمْ) اضراب عمّا يستفاد من تلك التّسلية سواء جعل أم بمعنى بل مع الهمزة أو بمعنى بل فقط كأنّه قال : ما تثبّتّم على الايمان وعلى الجهاد بل حسبتم (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) لمّا يظهر جهاد منكم فلم يظهر على الله بجهادكم أو لم يعلم الله الجهاد منكم في مقام مظاهره الّذين هم الأنبياء (ع) وأوصياؤهم والفرق بين لم ولمّا انّ لم لنفى الماضي من غير التفات الى استمراره الى الزّمان الحاضر ومن غير ترقّب وقوع المنفىّ بعد الزّمان الحاضر ، ولمّا لنفى الماضي مع الاستمرار الى الزّمان الحاضر وترقّب وقوع المنفىّ بعده ؛ والجملة حاليّة ، (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) على الجهاد أو عن الجهاد وقرئ بالنّصب بإضمار ان بعد الواو بمعنى مع ، وبالرّفع على ان يكون الجملة حالا بتقدير مبتدء أو على ان تكون معطوفة على لمّا يعلم الله ، ويكون المعنى ويعلم الصّابرين عن الجهاد ولمّا يعلم المجاهد (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) بالشّهادة والجملة حاليّة ، روى انّ المؤمنين لمّا أخبرهم الله تعالى بالّذى فعل بشهدائهم يوم بدر في منازلهم في الجنّة رغبوا في ذلك فقالوا : اللهمّ أرنا قتالا نستشهد فيه فأراهم الله يوم أحد ايّاه فلم يثبتوا الّا من شاء الله منهم وانهزموا وفرّوا عن القتل والموت فقال تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) ببدر (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) بمشاهدة قتلاكم من إخوانكم