المؤمنين وضمير تلقوه ورأيتموه راجع الى الموت باعتبار لقاء أسبابه ورؤية أسبابه (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ترون الموت بأعينكم فيكون تأكيدا لرأيتموه لرفع احتمال ان يكون المراد رؤية القلب أو تتفكّرون أو تتأنّون (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ) اى مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) بالموت أو القتل فيخلو لا محالة (أَفَإِنْ ماتَ) باجله من دون أسباب خارجيّة وآلات قتّالة فانّ المتبادر من الموت هذا خصوصا حين استعماله مقابل القتل وقد أشير في الاخبار وصرّح بأنّه غير القتل (أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ) عن الدّين (عَلى أَعْقابِكُمْ) شبّه الرّاجع عن الدّين الّذى هو طريق النّفس بالرّاجع عن الطّريق الظّاهر وانّما قال على أعقابكم للاشارة الى انّ الإنسان ان ارتدّ عن دينه كان وجهه الى مقصده بحسب فطرته مثل من ارتدّ عن طريق على عقبه حيث يكون وجهه الى مقصده الاوّل وذكر في نزول الآية انّه لمّا فشا يوم أحد في النّاس انّ محمّدا (ص) قتل قال بعض المسلمين ليت لنا رسولا الى عبد الله بن ابىّ فيأخذ لنا أمانا من ابى سفيان ، وبعضهم جلسوا والقوا ما بأيديهم وقال أناس من أهل النّفاق : ان كان محمّد (ص) قد قتل فالحقوا بدينكم الاوّل فقال انس بن نضر عمّ انس بن مالك : يا قوم ان كان قد قتل محمّد (ص) فانّ ربّ محمّد (ص) لم يقتل وما تصنعون بالحيوة بعد رسول الله (ص) فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله (ص) وموتوا على ما مات عليه ، ثمّ انّ رسول الله (ص) انطلق الى الصّخرة وهو يدعو النّاس فاوّل من عرف رسول الله (ص) كعب بن مالك قال : فناديت بأعلى صوتي : يا معاشر المسلمين أبشروا فهذا رسول الله (ص) فاشار الىّ ان اسكت فانحازت اليه طائفة من أصحابه فلامهم النّبىّ (ص) على الفرار فقالوا : فديناك بآبائنا وأمّهاتنا أتانا الخبر بانّك قتلت فرعبت قلوبنا فولّينا مدبرين فأنزل الله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (الى آخر الآية) وكان سبب هزيمة المسلمين يوم أحد انّ رسول الله (ص) لمّا سمع اجتماع المشركين لحربه وكانوا ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل واخرجوا معهم النّساء جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد ومنع عبد الله بن ابىّ أصحابه عن الخروج وقال سعد بن معاذ وأمثاله : نخرج من المدينة وقبل رسول الله (ص) رأيه وخرج من المدينة ووضع رسول الله عبد الله بن جبير على باب الشّعب وأكّد عليهم في ثباتهم في مراكزهم ووضع ابو سفيان خالد بن وليد في مأتى فارس كمينا وقال : إذا اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشّعب حتّى تكونوا وراءهم وعبّأ رسول الله (ص) أصحابه ودفع الرّاية الى أمير المؤمنين (ع) فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ووقع أصحاب رسول الله (ص) في سوادهم وانحطّ خالد بن وليد في مأتى فارس على عبد الله بن جبير فاستقبلوهم بالسّهام فرجع ونظر أصحاب عبد الله بن جبير الى أصحاب رسول الله (ص) ينهبون سواد القوم فقالوا لعبد الله : قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة ..!؟ فقال لهم عبد الله : اتّقوا الله فانّ رسول الله (ص) قد تقدّم إلينا ان لا نبرح فلم يقبلوا منه وأقبلوا ينسلّ رجل فرجل حتّى خلّوا مراكزهم وبقي عبد الله بن جبير في اثنى عشر رجلا وانحطّ خالد بن وليد على عبد الله بن جبير وأصحابه فقتلهم على باب الشّعب ثمّ أتى المسلمين في ادبارهم ونظرت وقريش في هزيمتها الى الرّاية قد رفعت فلاذوا بها وانهزم أصحاب رسول الله (ص) هزيمة عظيمة وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه (وَمَنْ يَنْقَلِبْ) عن دينه (عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) بل يضرّ نفسه ويهلك حرثه ونسله (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) يعنى ومن يثبت على دينه ويذهب على استقامة طريقه فهو شاكر ورابح وسيجزي الله الشّاكرين وانّما اقتصر على هذا لافادته ايّاه مع شيء زائد بأخصر لفظ وانّما كان الثّابت الذّاهب مستقيما شاكرا لصرفه نعم الله الّتى هي مداركه وقواه وبدنه وأعضاؤه وعلمه وشعوره