الذي يسومونهم أشد أنواع العذاب ، ويعملون كل ما في وسعهم من أجل القضاء على الدين الجديد.
وازداد بأس المشركين بغلبة الفرس على الروم ، إذ كانوا يرون الروم وهم على الدين النصراني أقرب إلى محمد صلىاللهعليهوسلم والمسلمين منهم ، وكانوا يرون الفرس أقرب إليهم من المسلمين ، لاجتماعهما على الوثنية.
فبلغت النشوة أوجها عند المشركين بانتصار الفرس على الروم ، واعتبروا هذا انتصارا لهم ، فهللوا لهذا النصر ورحبوا به ، وأخذوا يرددون أمام المسلمين قولهم : «لقد غلب إخواننا على إخوانكم».
وفي هذا الظرف الحرج ، البائس اليائس عند الروم ، وفي حالة الضيق والشدة التي كان فيها المسلمون .. نزل قول الله تعالى كالصاعقة بما لم يتوقعه أحد من أهل الأرض ، لا من المسلمين ولا من غيرهم ، نزل قوله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ، وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ ، يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ، وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
إنه لكلام لا يكاد العقل المادي يفهم مراده وبواعثه ، المسلمون في محنة ، يعمل فيهم المشركون ما يعمله الفرس بالروم ، من القتل ، والسجن ، والتشريد ، والروم في يأس وشدة ، ملكهم يريد الفرار وتسليم آخر ما بقي في يديه من مملكته ، والفرس في نشوة النصر والفرح ، وفي هذا الموقف الصعب الحرج ، وبدلا من أن يكسب المسلمون ودّ الفرس المنتصرين ، أو على الأقل دفع نقمتهم بالتزام الصمت ، بدلا من هذا يعلن القرآن هذا الموقف الرهيب ، ويخبر بهذا الخبر العجيب ، وتنزل آياته بأغرب نبوءة يمكن للعقل البشري أن يتنبأ بها في مثل تلك الظروف ، تثير دهشة المشركين ، كما تلفت نظر الفرس إلى مواقف الدين الجديد الذي بدأ يطل على العالم من مكة ، ومن المحتمل أن تثير أحقادهم ضد المسلمين.
إنها لنبوءة عجيبة غريبة ، تجاوزت الوعود المحلية للمسلمين بالنصر على أعدائهم ـ كما سمعنا في الفقرات السابقة ـ إلى الوعود الدولية بانتصار الروم وهم