(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
وما هو حال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين تلا هذه الآيات ..؟ هل كان في حالة العز والمنعة والقوة ..؟ إذا فهو جدير بأن يعمل مثل هذا أو أن يقول مثل هذا؟.
ولكن الحقيقة أنه كان في حالة من الضعف ، وعدم وجدان الناصر أو المعين ، جعلته يحتمي بعمه أبي طالب ، وجعلت كثيرا من أصحابه يتوارون خوفا من ثأر المشركين ، أو يهاجرون طلبا لحياة الأمن ...
فالظروف كلها ضد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وضد القرآن ، وكل من يراقب مجرى الأحداث ، ويعرف التحديات التي أتى بها القرآن لكل من في الأرض ، كان يتوقع أن تندثر تلك الدعوة ، كما كان يتوقع أن يزول القرآن وتنسى آياته ، شأنه في ذلك شأن كثير من المبادي التي مرت بها ظروف مشابهة للظرف القرآني ، بل ربما كانت في ظروف أحسن بمئات المرات من ظروف القرآن ، ولكنها مع ذلك زالت من الوجود ، ومحيت من الأذهان ، ولم يبق لها من الذكر إلا ما يكتب عنها في بطون كتب التاريخ في أحسن أحوالها.
في هذه الظروف التي صورناها ، نزل قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
تحد جديد يضيفه القرآن إلى تحدياته السابقة ، لا يخاطب به العرب ، وإنما يخاطب به كل عاقل في الأرض ، ويتحداه ، بكلام يعتبر من أكثر أنواع الكلام تأكيدا ، وأوضحه مضمونا.
وذلك أنه ألقاه مؤكدا بثلاثة أنواع من التأكيد ، ليزيل به أي شبهة أو شك يمكن أن يعتري العقل الإنساني ، من إمكانية احتمال التخلف في هذا الخبر عند قائله ومنزله.
فأكد أول الكلام ب «إنّ» في قوله : «إنا».
ثم أكد بلام التأكيد أو اللام المزحلقة في قوله : «لحافظون».