ثم أكد ثالثا بالجملة الاسمية التي تفيد الاستمرار والدوام الدوام.
بحيث لا يدع للقارئ أو السامع مجالا في أن قائل هذا الكلام مصر عليه ، جازم به ، لا يتردد في تنفيذه وإثباته على نحو ما أخبر به ، على عادة العرب في إلقائهم للكلام المؤكد.
كما أكد نسبة هذا الكلام إليه ، وأنه هو الذي أنزله بقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ).
إنه إخبار عن غيب مجهول ، إلى مدى بعيد ، يطول طيلة استمرار الحياة ، بدعوى عريضة ، لا يضمن الإنسان تحقق وجودها حالة حياته ، حينما تكون كل الظروف مواتية له ، علاوة عن إمكانية تحققها بعد موته ، فكيف بها وكل الظروف معادية لها ، عاملة على إبطالها ، ولا يتوقع أبدا أن تسير في القريب العاجل لصالحها ، على الأقل كما كان يتوهم مشركو مكة ، ومعلنو الحرب على الإسلام والقرآن.
إنها الدعوى بأن هذا القرآن محفوظ من قبل منزله ، إلى قيام الساعة ، لن يتمكن أحد من أهل الأرض ، مهما بلغوا في قوتهم ، وعنادهم ، وطغيانهم ، لن يتمكنوا من أن يقضوا على هذا القرآن ، وسيحفظه الله إلى قيام الساعة ليدل بهذا كل من سينظر في القرآن أنه من كلام الله.
وفي نفس الوقت ، نزلت دعوى جديدة أخرى ، متممة لهذه الدعوى ، فيها إخبار عن غيب بعيد مجهول ، فيه بيان نوع الحفظ الذي سيحفظ الله به قرآنه ، وذلك في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
لا شك أن كل عربي سمع هذا الكلام في ذلك الوقت ، لا شك أنه أخذته الدهشة ، وتملكه العجب ، أمام هذه النبوءة العجيبة ، عن غيب بعيد لا يدري ما ذا ستحمله الأيام فيه ، سواء أكان ذلك في صالح القرآن ، أم في غير صالحه ، ولا شك أن كل من يهمه أمر القرآن ممن عاداه من أهل الأرض ، كانت