تهمه هذه النبوءة ، ويتمنى أن يرى نقيضها ، ليدل على إيجاد التناقض في هذا القرآن.
لقد تكفل الله بحفظ القرآن الكريم واستمراره استمرار الحياة ، كما تكفل بحمايته من التبديل والتحريف ، والتغيير والتزييف ، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إن دعوى الحفاظ على القرآن من يد التبديل والتحريف دعوى عريضة ، ولا سيما بعد أن عرفنا الظروف القاسية التي كان يمر بها المسلمون حينما نزلت هذه الآيات ..
إننا لا نكاد نجد على وجه الأرض كلاما يحافظ على معناه ولفظه إلى الأبد ، دون أن تتبدل بعض ألفاظه ، أو تتغير بعض معانيه.
فهذه الكتب السماوية السابقة ، رغم كثرة أتباعها ، وحرصهم عليها ، قد بدلت وغيرت ، وحرفت وزيفت ، حتى أصبحت مغايرة لأصولها ، ومنافية لها.
وليس هذا شأن الكتب السماوية فقط ، بل هو شأن كل منقول يطول عليه الأمد.
إننا حينما نقرأ اليوم شعرا لبعض شعراء الجاهلية نجد فيه اختلافا كثيرا ، وقلما يخلوا البيت الواحد من القصيدة ـ قلما يخلو من تغاير في ألفاظه ، بسبب الرواة قديما ، وبسبب تعدد النسخ حديثا ، رغم حرص العرب على نقل الشعر ، والتغني به ، والفخر بمضمونه ، ولا سيما أنه كان المعبر عن أيامهم ، والحافظ لسيرتهم وتاريخهم ، وكرمهم ومآثرهم ، وأمجادهم وبطولاتهم.
وهذا لا نجده في الشعر الجاهلي فقط ، بل نجده في الشعر الإسلامي ، في كافة العصور ، رغم كثرة الرواة وشيوع الكتابة والتدوين.
بل إننا لنجد اختلافا فيما ينقل إلينا من مائتي أو مائة عام ، أو ما دون ذلك ، وهذه طبيعة النقول.