ولكن الواقع حسبما هو معروف في تاريخ الإسلام والقرآن يثبت أن المعارضة لم تقع ، رغم تكرر الأيام ، وتوالي القرون والأعوام ، ورغم كثرة الحريصين على هذه المعارضة ، والمهتمين بها ، إذ لو وقعت لانتشرت انتشار النار في الهشيم ، ولشاعت وذاعت ، وملأت الدنيا ضجيجا ، ولكانت رمز الفخار لكل من رفض الإسلام وأبى الإيمان.
وهذا إلى جانب ما اكتشفناه في هذا العصر من الإعجاز العلمي في القرآن ، مما جعل كل عاقل يدرك أن من المستحيل أن يأتي البشر بأي كتاب كهذا الكتاب ، يخوض في كل جوانب الكون والنفس والحياة ، دون أن يوجد فيه أي خلل أو تناقض ، بل تأتي العلوم التي بذل الإنسان من أجلها وضحى ، تأتي لتثبت صدق القرآن في كل ما أخبر به أو خاض فيه من أمور الكون والحياة ... دون أي اضطراب ، أو تناقض ، أو خلل ، كما بيناه ، وكما سنبنيه إن شاء الله.
ولذلك كانت هذه الآية المخبرة عن هذا الأمر الغيبي العجيب معجزة ناطقة ، لا لأهل الجيل الأول ، بل لكل جيل إلى يومنا هذا ، وإلى يوم القيامة ، إذ أدركنا أن المعارضة لم تقع أبدا ، على نحو ما أخبر الله به في القرآن قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.
ولذلك ذهب الإمام الزمخشري إلى أن «لن» تدل على النفي المؤبد ، لا على مطلق النفي ، مستدلا بهذه الآية الكريمة.
إذن فإننا حينما نقرأ قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) يجب علينا أن نذعن إذعانا يقينا إلى أن هذا القرآن ليس من صنع البشر ، وإنما هو من كلام علام الغيوب ، الذي أخبر عما علم من حال خلقه أنه سوف لا يكون بوسعهم معارضة القرآن وإن اجتمع إنسهم وجنهم على قلب رجل واحد ، وكان الأمر إلى يومنا هذا على نحو ما أخبر الله به ، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة ، ليدل كل من ينظر في القرآن من أهل كل جيل على أن هذا القرآن هو المعجزة الدالة على أنه من وحي الخالق وكلامه ، لا من صنع البشر.