النبي صلىاللهعليهوسلم في القرآن ، وقرأها عليهم ، لقالوا له : إن ما جئتنا به كلام عادي ، ليس فيه إعجاز ، ولا يدل على صدقك ، ولو كنا نعرف العربية ، أو نتقنها كالعرب ، لأتيناك بكلام أبلغ من الكلام الذي جئتنا به ، ولما أفلحت معهم معجزته البلاغية.
وما ذاك إلّا لأنهم لا يعرفون العربية ، ولو عرفوها لكانت معرفتهم لها معرفة بسيطة ، لا تمكنهم من الوقوف على وجه الإعجاز في القرآن ، ولذلك كان لا بدّ له من معجزة تتناسب مع معارفهم وعلومهم.
وعلى العكس من ذلك ، لو أن محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ذهب أول الأمر إلى العرب في الجزيرة العربية بمعجزة مادية ، كمعجزة موسى عليهالسلام ، بأن يلقي عصاه في الأرض ، فتنقلب إلى حية تسعى ـ والعرب أمة أميّة لا تعرف طبا ولا سحرا ـ لو فعل في بداية الأمر مثل هذا ، لقال العرب قولا واحدا لا يختلف : إن ما جئتنا به السحر ، ولو كنا نعرف السحر ، لتمكّنا من إبطال معجزتك التي أتيت بها.
وما ذاك إلّا لجهلهم بحقيقة السحر ، وحقيقة ما ظهر أمامهم من قلب العصا إلى حية تسعى.
ففي تصوّرهم أن كل عمل من هذا القبيل ، إنما هو من قبيل السحر ، وحق لهم أن يتصوروا هذا التصور ، لأنهم لا يعرفون السحر ليميزوا بينه وبين المعجزة.
ولذلك كان لا بدّ من معجزة تتناسب مع معارفهم وعلومهم ، يتمكنون بواسطتها أن يدركوا أنها ليست من صنع البشر ، وإنما هي من أمر الله ، ليستدلوا بها على صدق الرسول في دعواه.
ومن أجل هذا ما أرسل الله رسولا إلّا بلغة قومه ، وما أرسله إلّا بمعجزة تدركها عقولهم ، وتألفها طباعهم ، ليكون ذلك ادعى إلى تسليمهم وإيمانهم ، فالغرض من المعجزة تصديق الرسل ، وإيمان الناس ، وليس إعجازهم عن الإتيان بمثل المعجزة فقط ، على ما سنراه من معجزات الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.