بعض تصاميمه الهندسية البديعة على أناس يجهلون هذا الفن ، فإننا على يقين بأنهم سوف لا يقيمون لهذه الخطوط التي رسمها في أوراقه أي معنى من المعاني ، بل ربما استهتروا به وهزءوا منه ، وربما قال له بعضهم : إنني أستطيع أن أصمم أبدع من تصميمك ـ وهو لمّا يعرف إمساك القلم بعد ـ وما ذاك إلّا لجهلهم بفن الهندسة ، وعدم تمكنهم من تصورها.
ولكن هذا المهندس البارع لو ذهب فعرض تصاميمه في أمة قد برعت في فن الهندسة ، فإننا على يقين بأنهم سوف يبهرون لتصاميمه الدقيقة ، ويعجبون بفنه البديع المتناسق ، ويعترفون له بالتفوّق والتقدم ، ويجعلون منه استاذا لهم ، ومحاضرا فيهم.
وما ذاك إلّا لأنهم عرفوا الفن الذي جاءهم به ، ولذلك تمكّنوا من تصوّره ، وكانت أحكامهم عليه صحيحة قويمة.
ولو أن إنسانا كان شاعرا ملهما ، فأنشأ قصيدة ، تعتبر من أبدع ما نظم في الشعر العربي ، وذهب بها إلى قوم حديثي عهد بلغة العرب وآدابها ، فألقاها على مسامعهم فإنا على يقين بأنهم سوف لا يلقون لهذه القصيدة بالا ، ولأعرضوا عنه وطالبوه أن يكلمهم بما يتناسب مع قدرتهم على الفهم والاستيعاب بلغة العرب.
إلّا أن هذا الإنسان ، لو ذهب إلى جماعة من الشعراء أو الأدباء ، المتمرسين بالعربية ، المطّلعين على فنونها ، وقرأ عليهم قصيدته ، لوجدهم يتمايلون طربا لمعانيها ، ويذعنون له بالبراعة في الشعر ، والدقة في التعبير ، والصدق في التصوير ، والسمو في الخيال ، ولجعلوا من نديه مكانا تهوي إليه أفئدتهم ، وترتاح به نفوسهم وقلوبهم.
وما ذاك إلّا لأنهم عرفوا العربية ، وتمرسوا بفنونها ، وتذوقوا بلاغتها.
ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : «لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلّا أهل الفضل».
ونزيد مثالا آخر أشد التصاقا بموضوعنا فنقول :
لو أن موسى عليهالسلام ذهب إلى فرعون وقومه بمعجزة لغوية ، كمعجزة