الثعابين الموهومة .. وإنما هو ثعبان حقيقي ، انقلب عن العصا الجامدة ، التي لا روح فيها ولا حياة ...
وهذا ليس في طوق البشر ، وليس في وسعهم ..
إن أقصى ما يمكن أن يفعله الساحر هو التخييل للناظر بأن العصا قد انقلبت إلى ثعبان ، ولكنه لا يمكنه أبدا أن يجعلها ثعبانا حقيقيا.
ولذلك من المحال أن يكون ما أتى به من قبيل السحر ، أو من قبيل الطاقة الإنسانية .. إنه عمل الخالق القادر الحكيم.
فما كان من السحرة أمام هذه المعجزة اليقينية التي رأوها بأعينهم ، وعاينوها بحواسهم ، وكشفوها بعلمهم ـ ما كان منهم إلّا أن أذعنوا لموسى عليهالسلام ـ وآمنوا بما أرسل به ، وأعلنوا ذلك أمام فرعون وقومه ، الذين اجتمعوا من كل حدب وصوب ، ليروا بطلان معجزة موسى ، (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً ، قالُوا : آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) متحدين بذلك طغيان فرعون ، وألوهيته الكاذبة ، صابرين على كل ما توعّدهم به من العذاب والنكال ، إذ قال لهم : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ، فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى ، قالُوا : لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا ، فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ، وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى).
وهكذا يتبيّن لنا كيف تعمل المعجزة عند ما يكون القوم عالمين بما هو من قبيلها.
فلو أن موسى عليهالسلام أتى بما أتى به أمام قوم لا يعلمون السحر ، لما كان له هذا الأثر الذي ظهر أمام السحرة ، الذين أدركوا حق الإدراك الفرق بين السحر والمعجزة ، بين عمل الخلق الزائف ، وعمل الله اليقيني ...
لو أن موسى عليهالسلام ألقى عصاه هذه أمام العرب في جزيرة العرب