أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه ، لئلا تأتي محمدا لتعرض لما قاله.
فيقول الوليد : قد علمت قريش أني أكثرها مالا.
قال أبو جهل : فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له.
قال الوليد : وما ذا أقول فيه؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ، ولا برجزه ولا بقصيدته ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا ، وو الله إن لقوله حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه ، مغدق أسفله ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه ، وإنه ليحطم ما تحته.
قال أبو جهل : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.
قال : فدعني حتى أفكر ، فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر.
* * *
ولما اجتمعت قريش عند حضور الموسم ، قال لهم الوليد : إن وفود العرب ترد ، فأجمعوا في محمد رأيا ، لا يكذب بعضكم بعضا ، فقالوا : نقول : كاهن.
قال : والله ما هو بكاهن ، ولا هو بزمزمته ولا سجعه.
قالوا : مجنون.
قال : ما هو بمجنون ، ولا بخنقه ، ولا وسوسته.
قالوا : فنقول : شاعر.
قال : ما هو بشاعر ، قد عرفنا الشعر كله ، رجزه وهزجه ، وقريضه ، ومبسوطه ، ومقبوضه.
قالوا : فنقول ساحر.
قال : ما هو بساحر ، ولا نفثه ولا عقده.
قالوا : فما نقول؟.
قال : ما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلّا وأنا أعرف أنه لا يصدق ، وإن أقرب القول فيه أنه ساحر ، وأنه سحر ، يفرق بين المرء وابنه ، والمرء وأخيه ، والمرء وزوجته ، والمرء وعشيرته.
فتفرقوا ، وجلسوا على السبل ، يحذرون الناس.