والخلاصة أن قائل هذا القول ، والآتي بهذه الفرية ، يزعم أن القرآن لم يصل بذاته إلى حد الإعجاز الذي لا يستطيع البشر معارضته به ، بل إن الإعجاز فيه كان عارضا له بصرف الله الناس عن معارضته ، وذلك لأحد الأسباب الآتية : ـ
١ ـ إن بواعث معارضة القرآن ودواعيها لم تتوفر عند العرب ، ولو توفرت عندهم دواعي المعارضة وبواعثها لعارضوه ، إذن فقدرة الله تعلقت بالبواعث التي تبعث على المعارضة ، فلم توجدها ، حتى لا توجد المعارضة وتسلم المعجزة.
٢ ـ إن البواعث والدواعي قد وجدت ، إلا أن الله تعالى صرفهم عن المعارضة بتزهيدهم بها ، وعدم اهتمامهم لها ، ولذلك تقاعسوا وقعدوا عن المعارضة ، فقدرة الله صرفتهم عن المعارضة بتزهيدهم فيها.
٣ ـ إن البواعث وجدت ، والدواعي توفرت ، والهمم استوفزت ، والرغبة في المعارضة ظهرت ، وكانوا يريدون هذا ، إلا أن الله عطل مواهبهم ، وأذهب قدرتهم ، فلم يستطيعوا معارضة القرآن.
«وإذا تأملنا هذه الفروض الثلاثة التي التمسوها ، أو التمست لهم ، علمنا أن عدم معارضة العرب للقرآن لم تجيء من ناحية إعجازه البلاغي في زعمهم ، بل جاءت على الفرضين الأولين من ناحية عدم اكتراث العرب بهذه المعارضة ، ولو أنهم حاولوها لنالوها ، وجاءت على الفرض الثالث من ناحية عجزهم عنها ، لكن بسبب خارجي عن القرآن ، وهو وجود مانع منعهم منها قهرا ، وذلك المانع هو حماية الله لهذا الكتاب ، وحفظه إياه من معارضة المعارضين ، وإبطال
__________________
(١) القواطع ٢٥٤.