المبطلين ، ولو أن هذا المانع زال ، لجاء الناس بمثله ، لأنه لا يعلو على مستواهم في بلاغته ونظمه» (١).
وسوف نتكلم إن شاء الله على كل واحد من هذه الاحتمالات التي توهموها بما يوضح المقال ، ويزيل الإشكال ، ويبين الحقيقة ، ونبدأ بالكلام على الاحتمال الأول الذي فرضوه لتعليل الصرفة ، وهو عدم وجود الدواعي التي تدعو إلى معارضة القرآن ، ولذلك صرفت هممهم عنها فنقول :
إن هذا زعم باطل ، ووهم كاذب ، وخروج عن طور النقاش والجدل ، إلى طور العناد والبهتان ، وإعراض عن الواقع البين الصريح إلى الخيال العاجز القبيح.
وذلك أن الخيال يقبل من الإنسان إذا كان له إلى التصديق سبيل ، ولو كان هذا السبيل من قبيل الاحتمال المرجوح الضعيف ، أما إذا وصل الخيال لدرجة لا يمكن فيها أن يصدق ولو على سبيل الاحتمال المرجوح ، فإن الأمر في هذه الحالة يرجع إلى العجز والضعف ، والسفسطة والسخف ،
وكيف يجوز لعاقل أن يفرض مثل هذا الاحتمال ، وآيات القرآن الكريم تتلى صباح مساء ، تقرع أسماع العرب بفصحائهم ، وشعرائهم ، وبلغائهم ، وسادتهم ، وسوقتهم ، تقرع أسماعهم بعبارات التحدي ، الذي بدأ بكل القرآن ، ثم نزل إلى عشر سور منه ، ثم نزل إلى سورة واحدة ، كما بينا ذلك مفصلا في أول البحث (٢).
ثم بعد ذلك وصل ذروته حينما أخبرهم القرآن بأنهم لن يستطيعوا ذلك إلى يوم القيامة ، في قوله جلّ ذكره : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ، وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ) (سورة البقرة : آية ٢٤).
__________________
(١) مناهل العرفان ٢ / ٤١٤.
(٢) انظر : ص ٣٣.