العلمية التي فاقت الخيال ، ولم تخطر للإنسان يوما على بال ، والتي وجد فيها أصحابها ـ على ما سنذكره في الإعجاز العلمي ـ أنهم على أعتاب القرآن ، الذي كان قد سبقهم إليها ، وأخبر عنها ، قبل أن يضع الإنسان اللبنة الأولى في صرح حضارته العلمية الحديثة بقرون طويلة.
إن التحدي بالقرآن لم يكن أبدا بالموضوع اللغوي فقط ، بل كان بكل ما في القرآن من إعجاز لغوي ، وغيبي ، وعلمي ، وغير ذلك.
فعلى افتراض أن بعض العرب كان قادرا على الإتيان بما يشبه القرآن في أسلوبه ، فأنى له ، بل لكل من في الأرض من إنس وجن أن يأتوا بمثل القرآن في غيوبه وعلومه؟ على ما سنبينه ونوضحه؟.
وإني لعلى يقين بأن من قال بالصرفة يوما ما ، لو وجد في عصرنا ، ورأى إعجاز القرآن العلمي والغيبي ، لذهل ، ولعلم أنه حينما قال قالته تلك ، كان في غاية الغفلة والسذاجة والبعد عن الواقع ...
لقد كان الملاحدة يوما ما يتناقلون فيما بينهم أن أحدهم ـ فيما يزعمون ـ قد عارض القرآن ، ولما قيل له : لما ذا لا يترنم الناس بكتابك حينما يقرءونه؟ قال لهم : لم تصقله المحاريب خمسة قرون ... أي أن الترنم بكتاب الله كان لما للقرآن من كثرة التلاوة في المحاريب في الصلاة وغيرها ، مما جعله سهلا على الألسن ، لذيذا في القلوب ... ولو أن كتابه تردد على ألسنة الناس كما تردد القرآن لاستعذبوه كما استعذبوا القرآن إن هذا الكلام يكون صحيحا لو كان الأمر في التحدي أمر ترنم واستعذاب ، إلا أن التحدي لم يكن بهذا ، وإعجاب الناس بالقرآن قديما وحديثا لم يكن أبدا لهذا ، بل إننا نرى كثيرا من الناس ينكر أن يقرأ القرآن بالألحان.
إن إعجاب الناس بكتاب الله لما ذكرناه وسنذكره من احتوائه على أنواع وأنواع من الإعجاز التي تفرض على كل من يقف عليها أن يحني أمام القرآن هامته ، ويعلن بين يدي الله عجزه وعبوديته.