صوت وحرف كما يرى في الآخرة بلا كم وكيف ، أو أنه سمع بصوت من جميع الجهات أو من جهة بلا اكتساب).
هذا جواب آخر لأصحابنا تقريره ، أن المراد بالمذكور العربي المنزل المقروء المسموع المكتوب إلى آخر الخواص هو المعنى القديم ، إلا أنه وصف بما هو من صفات الأصوات والحروف الدالة عليه مجازا أو وصفا للمدلول بصفة الدال عليه (١) كما يقال : سمعت هذا المعنى من فلان وقرأته في بعض الكتب ، وكتبته بيدي. وهذا ما قال أصحابنا : إن القراءة حادثة أعني أصوات القارئ التي هي من اكتسابه يؤمر بها تارة إيجابا أو ندبا ومنهى عنها حينا! وكذا الكتابة : أعني حركات الكاتب ، والأحرف المرسومة ، وأما المقروء بالقراءة المكتوب في المصاحف ، المحفوظ في الصدور ، المسموع بالآذان فقديم ، ليس حالا في لسان ولا قلب ولا مصحف ، لأن المراد به المعلوم بالقراءة المفهوم من الخطوط ومن الأصوات المسموعة ، وكذا المنزل. إذ معنى الإنزال أن جبريل عليه الصلاة والسلام أدرك كلام الله تعالى وهو في (٢) مقامه ثم نزل إلى الأرض وأفهم النبي صلىاللهعليهوسلم ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام.
فإن قيل : إذا أريد بكلام الله تعالى المنتظم من الحروف المسموعة من غير اعتبار تعين المحل ، فكل أحد منا يسمع كلام الله تعالى ، وكذا إذا أريد به المعنى الأزلي ، وأريد بسماعه فهمه من الأصوات المسموعة! فما وجه اختصاص موسى عليه الصلاة والسلام بأنه كليم الله تعالى.
فإن قلنا فيه أوجه : أحدهما وهو اختيار الإمام حجة الإسلام رحمهالله ، أنه سمع كلامه الأزلي بلا صوت ولا حرف ، كما ترى ذاته في الآخرة بلا كم ، ولا كيف ، وهذا على مذهب من يجوز تعلق الرؤية والسماع بكل موجود حتى الذات والصفات ، لكن سماع غير الصوت والحرف لا يكون إلا بطريق خرق العادة.
وثانيها : أنه سمعه بصوت من جميع الجهات على خلاف ما هو العادة.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (عليه).
(٢) في (ب) من بدلا من (في).