وكل حادث ، فيها لضرورة له محدث ، فإما أن يدور أو يتسلسل وهو محال ، وإما أن ينتهي إلى قديم لا يفتقر الى سبب أصلا وهو المراد بالواجب ، فكلا (١) الطريقين مبني على امتناع وجود الممكن (٢) أو الحادث بلا موجد ، وعلى استحالة الدور والتسلسل. والمتكلمون لما لم يقولوا بقدم شيء من الممكنات ، كان إثبات القديم ، إثباتا للواجب. ولا يرد عليهما ما جوزه الحكماء من تعاقب الحوادث من غير بداية ، كالحركات والأوضاع الفلكية.
أما أولا : فلما مر في مسألة حدوث العالم.
وأما ثانيا : فلأن ذلك إنما هو في المعلات دون العلل الموجدة التي لا بد من وجودها مع وجود المعلول ، وتوهم بعضهم أنه يمكن الاستدلال على وجود الواجب بحيث لا يتوقف على امتناع الترجيح بلا مرجح.
بأن يقال : لا بد أن يكون في الموجودات موجود لا يفتقر الى الغير ، دفعا للدور والتسلسل ، ولا معين (٣) للواجب سوى هذا وفيه نظر لأن مجرد الاستغناء عن الغير لا يقتضي الوجوب وامتناع العدم إلا على تقدير بطلان الترجيح (٤) بلا مرجح ، وإلا لجاز أن يكون المستغني عن الغير يوجد تارة ويعدم أخرى من غير أن يكون ذلك الوجود والعدم (٥) لذاته ولا لغيره بل بمجرد الاتفاق ، ومنهم من توهم صحة الاستدلال بحيث لا يفتقر الى إبطال الدور أو التسلسل وذلك لوجوه :
__________________
ـ الأفل حادث لحدوث عارضه الدال على حدوثه أعني الأفول. وما هو حادث فله محدث غيره فلا يكون مبدأ لجميع الحوادث فلا يكون صانعا للعالم.
راجع المواقف ج ٨ ص ٢ ، ٣.
(١) في (ب) وكلا بدلا من (فكلا).
(٢) الممكن هو الذي يتساوى فيه الوجود والعدم ، وهو إحدى مقولات الجهة ويقابله الممتنع والضروري. قال ابن سينا : الممكن الوجود : هو الذي ، متى فرض غير موجود أو موجودا لم يعرض منه محال والواجب الوجود : هو الضروري الوجود ، والممكن الوجود. هو الذي لا ضرورة فيه بوجه. أي لا في وجوده ، ولا في عدمه. راجع النجاة ص ٣٦٦.
(٣) في (ب) ولا معنى.
(٤) في (ب) الترجح.
(٥) سقط من (١) لفظ (الوجود).