ولو سلّم ، فالنظر الموصول (بإلى) ليس بمعنى الرؤية ، ولا ملزوما لها (١) لاتصافه بما لم تتصف به الرؤية مثل الشدة والازورار والرضى والتحيز والذل والخشوع ولتحققه مع انتفاء الرؤية مثل : نظرت إلى الهلال فلم اره.
قال الله تعالى (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (٢)
وجعله مجازا عن الرؤية ليس بأولى من حمله على حذف المضاف أي ناظرة إلى ثواب ربها على ما ذكره علي (٣) رضي الله عنه ، وكثير من المفسرين.
وبالجملة : فلا خفاء في أن ما ذكرنا احتمالات تدفع الاحتجاج بالآية.
وأجيب : بأن سوق الآية لبشارة المؤمنين ، وبيان أنهم يومئذ في غاية الفرح والسرور ، والإخبار بانتظارهم النعمة والثواب لا يلائم ذلك ، بل ربما ينافيه ، لأن الانتظار موت أحمر ، فهو بالغم والحزن والقلق وضيق الصدر أجدر ، وإن كان مع القطع بالحصول على أن كون (إلى) اسما بمعنى النعمة لو ثبت في اللغة فلا خفاء في بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به ، ولهذا لم يحمل الآية عليه (٤) أحد من أئمة التفسير في القرن الأول والثاني بل أجمعوا على خلافه : وكون النظر الموصول (بإلى) سيما المستند إلى الوجه بمعنى الانتظار مما لم يثبت عن الثقات ولم تدل عليه الآيات لجواز أن يحمل على تقليب الحدقة بتأويلات لا تخفى. وأما اعتبار حذف المضاف فعدول عن الحقيقة أو المجاز المشهور في (٥) الحذف الذي لا يظهر فيه قرينة تعيين المحذوف ، وتمام الكلام في الإشكالات الموردة من قبل المعتزلة على الاحتجاج بالآية. والتقصّي عنها من قبل أهل الحق مذكور في نهاية العقول (٦) للإمام الرازي.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (لها).
(٢) سورة الأعراف آية رقم ١٩٨.
(٣) هو الإمام علي بن ابي طالب بن عبد المطلب الهاشميّ أبو الحسن أمير المؤمنين ، رابع الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، وابن عم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم وصهره ، ولي الخلافة بعد مقتل عثمان ـ رضي الله عنه. وقتل عام ٤٠ ه رضي الله عنه.
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (عليه).
(٥) في (ب) إلى بدلا من (في).
(٦) الكتاب يسمى نهاية العقول في الكلام في دراية الأصول ـ يعني أصول الدين : للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ ه رتبه على عشرين أصلا راجع كتاب كشف الظنون ج ٢ ص ١٩٨٨.