وثانيا : بأن ترتب الثواب على الأعمال لا يدل على أن لها تأثيرا في إثبات الاستحقاق لجواز أن يكون فضلا من الله تعالى دائرا مع العمل ، كيف وجميع الأفعال لا تفي لشكر القليل مما أفاض من النعماء ، وكيف (١) يعقل استحقاق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر لمجرد تصديق القلب وإقرار (٢) اللسان فيمن آمن فمات في الحال. وبهذا يظهر أنه لا حاجة في إثبات الاستحقاق الى ما شرع من التكاليف على ما فصل في علم الفقه وعلم صفات القلب وأحوال الآخرة التي يسميه (٣) الإمام حجة الإسلام بعلم السر.
وثالثا : بأنه لو سلم لزوم الغرض فلا نسلم الإجماع على أنه لا غرض سوى ما ذكرتم. فقد قيل : الغرض الابتلاء ، وقيل شكر النعماء ، وقيل حفظ نظام العالم ، أو تهذيب الأخلاق ، ويحتمل أن يكون أمرا لا تهتدي إليه العقول وبهذا يندفع كونه ظلما لأن الإضرار لمثل تلك المنافع يكون محض العدل سيما ممن له ولاية الربوبية ، وكان التصرف في خاص ملكه.
ورابعا : بأن العمل والثواب على ما ذكرتم يشبه إجازة ولا بدّ فيها من رضى الأجير، وإن كان الأجر أضعاف الآلاف لأجرة (٤) المثل. والحق على أن القول بالقبح العقلي ، ووجوب تركه على الله تعالى يشكل الأمر في تكليف الكافر للقطع بأنه إضرار من جهة أنه إلزام أفعال شاقة لا يترتب عليه نفع له بل استحقاقا لعذاب دائم ، وإن كان مسببا عن سوء اختياره ولا خفاء في أن مثله يقبح بخلاف (٥) تكليف المؤمن حيث يترتب عليه منافع لا تحصى ، وكون تكليف الكافر لغرض التعريض والتمكين أي جعله في معرض الثواب ، ومتمكنا من اكتسابه ، إنما يحسن إذا لم يعلم قطعا أنه لا يكتسب الثواب ، وأن استحقاقه العقاب (٦) والوقوع في الهلاك الدائم كان منتفيا لو لا هذا التكليف.
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (كيف).
(٢) سقط من (ب) لفظ (وإقرار).
(٣) في (ب) الذي بدلا من (التي).
(٤) في (ب) لأجرته بدلا من (أجرة).
(٥) في (ب) يصح بدلا من (يقبح).
(٦) في (أ) العتاب بدلا من (العقاب).