وحاصل تقريب هذا الوجه (١) أنّ حفظ ظهور العموم في هذا متعيّنا أو في ذاك كذلك ترجيح بلا مرجّح ، وفي كليهما ترخيص في المعصية ، وبعد رفع اليد عن المتعيّنين لنا أن نحفظ العموم في الأحد التخييرى.
فلا يقال هنا بمثل ما سنورد على الوجه الثالث الذي هو التمسّك بالإطلاق من دوران الأمر بين التخصيص والتقييد ، فلا يقال هنا أيضا يدور الأمر بين ارتكاب أحد المخالفتين للظاهر إمّا الالتزام بالتخصيص ، وإمّا رفع اليد عن ظهور الترخيص في المعيّن.
فإنّا نقول : ما ندّعيه في المقام هو أنّ ذلك حفظ مرتبة من ظهور العموم ، فلو أمكن حفظ الظهور في التعيينيّة وجب حفظ العموم بالمرتبة الأقوى ، وحيث تعذّر ذلك كان الواجب حفظه بالمرتبة الأضعف ، فلا نرفع اليد عن تمام الظهور بمحض تعذّر حفظ مرتبة منه ، وبالجملة ، ليس ظهور الترخيص في المعيّن إلّا ظهور العموم في المعيّنات ، فإن كان حفظ الأحد التخييري حفظا لمرتبة من العموم فرفع اليد عنه تخصيص زائد بغير جهة ، وإن لم يكن في العموم من الأحد التخييري عين ولا أثر وكان مفاده المعيّنات ليس إلّا فرفع اليد عن الأحد التخييري لا يكون زيادة تخصيص ، ولا حفظه حفظ مرتبة من العموم ، بل هو شيء مسكوت عنه في القضيّة اللفظيّة بالمرّة ، فعلى كلّ حال لا شباهة لمقامنا بذلك المقام.
ثمّ الدليل على ما ادّعينا ـ من كون مدلول العموم أمرين التعيينية والأحد المعرّى ـ ملاحظة نظائر المقام ، ألا ترى أنّ عموم «فانكحوا ما طاب لكم من النساء» إذا خصّص بآية (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) فلا يتأمّل الإنسان في بقاء إحداهما تحت العموم مع أنّ لسانه أيضا هو الأفراد المتعيّنات من النساء ، ولا نحتاج في ذلك إلى التماس دليل آخر من إجماع ونحوه.
وكذلك لو ورد خطاب «أنقذ الغريق» وعجز العبد عن إنقاذ فردين بوصف
__________________
(١) هذا تقريب آخر للوجه الأوّل كتبه قدسسره في الدورة الثانية من الاصول. فجعلناه فى المتن.