يفدنا إلّا الاحتمال بالنسبة إلى الأمر الجدّي الذي هو المناط في حكم العقل ، وقد كان موجودا قبل هذا الأمر أيضا ولم يوجب التنجيز.
وإن قلت : إنّه بعمومه وإطلاقه ظاهر في الجديّة ، وحيث إنّه يتوقّف على وجود الواقع ، والتمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة في المخصّصات اللبيّة جائز ، نستكشف وجود الواقع في كلّ مورد مورد قام عليه الأمر الطريقي.
قلت : هذا خلاف المفروض في مقامنا أعني إيجاب الاحتياط ، فإنّه ربّما يكون نفس الآمر ـ في غير الشارع ـ أيضا جاهلا بثبوت التكليف الواقعي.
وإن كان مرجعه إلى أمر مستقلّ متعلّق بإتيان تمام الأطراف فهذا أمر نفسي لوحظ فيه المصلحة في نفس الأمر دون متعلّقه على ما هو التحقيق من إمكان ذلك ، فيلزمه استحقاق العقوبة على مخالفة نفسه حتّى عند عدم الإصابة ، وأين هذا من تنجيز الواقع والعقوبة على مخالفته على تقدير إصابته وعدم العقوبة أصلا على تقدير العدم.
ويمكن أن يقال : بين الأوامر المتعلّقة بالطرق والمتعلّق بعنوان الاحتياط فرق ، فحال الآمر في القسم الأوّل حال العامل ، فكما أنّ العامل حين عمله بخبر الثقة مثلا لا يرى جانب عدم إصابته وعدم وثاقته ولو كان هو بحسب معتقده مصيبا في نوع الموارد مع التخلّف في البعض ، لكنّه بحسب البناء القلبي والتجزّم حين العمل يلغي جانب الكذب ويأخذ بالصدق ويعمل في هذا النظر ، كذلك الآمر أيضا لا يرى في حال أمره باتّباع خبر الثقة مثلا إلّا جانب مصادفته ، ويدفع عن ذهنه احتمال الخلاف.
ففي هذا النظر إذا أمر ليس لأمره إطلاق شامل لصورة المخالفة ؛ لأنّه لم ير إلّا الموافقة ، فالعبد إن أحرز علما أنّ الطريق على خلاف الواقع فلا عقوبة عليه لفرض عدم إطلاق الأمر حال المخالفة ، وإنّ شكّ في أنّه مصادف أو مخالف فهذا الأمر صالح لتحريكه، بمعنى أنّه لو لم يتحرّك وكان في الواقع مصادفا كان للمولى حقّ أن يؤاخذه ويقول له: قد شخّصت مصادفته بنفسي ولم أجعله في عهدتك ، بل