المتقدّمة ، والفارق أنّ الدليل هناك كان لفظيّا ، فالإجماع المذكور كان موجبا لتقييد المادّة أو التصرّف في الهيئة ، وحيث لم يكن أحدهما متعيّنا تحقّق الإجمال ، وأمّا هنا فالدليل لبيّ وهو حكم العقل بلزوم المراعاة والاحتياط في جميع أطراف العلم الإجمالي ، والإجماع المذكور على فرضه لا يكون إلّا مؤمنا من قبل الشرع بالنسبة إلى أحد الأطراف وهو الشبهة الوجوبية ، ووجود المؤمّن في أحد الأطراف لا يوجب سقوط هذا الدليل اللبّى عن الدلالة بالنسبة إلى الطرف الآخر الخالي عن المؤمّن الشرعي ، فإنّ الحجّة وهو العلم فيه موجودة والمؤمّن مفقود.
وتقريب الاستدلال بالعلم الإجمالى أنّ لنا علما إجماليّا قبل مراجعة الأخبار بوجود تكاليف من الواجبات والمحرّمات من الشارع علينا ، وإنّما قيّدنا بقولنا : قبل مراجعة الأخبار، لئلّا يقول الخصم في الجواب : نمنع العلم الإجمالي قبل مراجعة الأخبار ، لأنّ مدرك علمنا هو الأخبار ، فدائرة العلم الإجمالى مقيّدة ومحدودة بخصوص ما بأيدينا من الأخبار ، فما يكون خارجا عن الأخبار خارج عن أطراف العلم.
نظير ما لو تعلّق بالحرمة بخصوص السود من قطيع غنم ، حيث إنّ البيض خارج عن أطراف العلم ، وذلك لأنّ العلم الاجمالي حاصل قبل مراجعة الأخبار بالوجدان ، بل أهل الأديان والملل الخارجة أيضا قاطعون بأنّ أهل الإسلام مكلّفون بتكاليف جاء بها نبيّهم من قبل الله تعالى ، فالعلم الإجمالي ليس مقيّدا بخصوص ما في الكتب وما بأيدينا ، فبمقتضى هذا العلم يجب الاحتياط في جميع المشتبهات.
ثمّ لا يقدح في هذا الدليل ثبوت الإجماع في الشبهة الوجوبيّة على البراءة وإن كان يقدح في الأدلّة اللفظيّة على تقدير وجوده فيها ، حيث يوجب الإلجاء إلى أحد الأمرين من التقييد في المادّة أو التصرّف في الهيئة ، وأمّا هنا فوجود الإجماع المذكور يصير مؤمّنا في أحد الأطراف وهو الشبهة الوجوبيّة ، ومجرّد هذا لا يوجب أن يكون الطرف الآخر الخالي عن المؤمّن وهو الشبهة التحريميّة خارجا عن حكم العقل بوجوب الاحتياط.