المكلّف إليه تقصيره عن الفحص عنه ، والحجّة التي المانع عن وصولها إلى المكلّف تقصيره في الفحص يكون حجّة على المكلّف قبل الفحص أيضا ، وإذن فكان حصول العلم الإجمالي في الزمان المتقدّم مقارنا لوجود الحجّة في أحد الأطراف ، فكان أصالة البراءة في هذا الزمان أيضا ساقطة من هذا الطرف في علم الله لمكان الحجّة ، غاية الأمر لم يعلم بذلك المكلّف ، فكان أصالة البراءة في الطرف الآخر جارية لعدم المعارضة بالمثل ، وقد كان الحكم بالاحتياط في الأطراف لأجل سقوط الأصل عنها بالمعارضة ، فحيث لا معارضة فلا احتياط ـ ولكنّه لا يستقيم في الشبهة الموضوعيّة في صورة تأخّر قيام الحجّة عن حصول العلم الإجمالي.
كما لو علم إجمالا بوجود موطوء واحد في قطيع غنم ثمّ شهدت البيّنة بعد يوم أو يومين مثلا بموطوئيّة المعيّن من هذا القطيع ، لا بمعنى حصول علم المكلّف بوجود البيّنة في الزمان المتأخّر مع وجودها في ما تقدّم ، بل بمعنى كون أصل حدوث الشهادة في الزمان المتأخّر ، فإنّه حينئذ وإن كان هذه الحجّة حاكية عن كون هذا المعين موطوء من الزمان المتقدّم الشامل لزمان حصول العلم أيضا ، ولكنّها لا تفيد القطع بهذا المعنى ، وإنّما الثابت هو مجرّد الحجيّة ، وليس من أثرها أيضا إسراء الحجيّة إلى الزمان السابق المقارن لزمان العلم ؛ إذ لا يعقل تأثيرها في ما قبل.
وإذن ففي زمان حصول العلم كان العلم ولم يكن حجّة معه في شيء من الأطراف بحسب الواقع وفي علم الله تعالى ، ومن المعلوم أنّ مثل هذا العلم يكون مؤثّرا للتنجيز ، فبعد ذلك إذا قام الطريق المعتبر فما الموجب لرفع اليد عن التنجيز السابق في غير مورد الطريق من سائر الأطراف؟ وهل هذا إلّا من قبيل ما لو خرج أحد الأطراف بعد حصول العلم عن محلّ الابتلاء مع كون الجميع داخلا فيه في حال حصوله ، حيث أفتى الاصوليون بأنّ التنجيز السابق بالنسبة إلى غير الخارج عن محلّ الابتلاء باق بحاله ، ولا يعود الأصل الساقط في هذا الغير بسبب معارضة الأصل الجاري في الطرف الخارج قبل خروجه ، فبعد خروجه وموت أصله