فالحقّ الذي نتصوّره أنّ هنا أمرين واقعيين ، أحدهما موجود خارجي وهو كون الجسم بين المبدا والمنتهى الذي هو الحركة التّوسطيّة ، والآخر أمر واقعي يتحصّل من عدمين ، عدم الحركة الثابت قبل المبدا ، وعدمها الثابت بعد المنتهى ، مثل شروع الطائر في الطيران من محلّ ونزوله في محلّ ، والفرق بينه وبين الخطّ أنّ الخطّ قد حواه بجميع أجزائه زمان واحد ، ولكنّه منبسط الأجزاء على أجزاء الزمان ، فلو اجتمع شتاته أيضا لصار خطّا واقعيّا ، لا خياليّا ، والمقصود حساب الواقع ، ولسنا بصدد بيان مراد اصطلاح أهل المعقول.
وعلى كلّ حال ففي الحركة القطعيّة لا يمكن حصول القطع والشكّ بواسطة انبساط أجزائه على أجزاء الزمان ، فهو أمر آنيّ الحصول ، وليس كالخطّ موجودا بوجود استقراري حتى يتعلّق به اليقين والشكّ باعتبار زمانين ، سواء قلنا : إنّ المعتبر في الاستصحاب هو الشكّ في البقاء ، أم قلنا : يكفي الشكّ في عين ما قطع به ، كما أنّه يمكن إجراء الاستصحاب بناء على المسامحة المتقدّمة على كلا المذاقين ، هذا.
ولكنّ العمدة في المقام التي صارت معضلة وعويصة غامضة فيه فهم مرام شيخنا الأعظم الأجلّ المرتضى أعلى الله مقامه في هذا الموضوع من رسائله ، فإنّه قدسسره أوّلا قسّم المستصحب في هذا الموضع إلى ثلاثة أقسام : الزمان والزماني والمقيّد بالزمان وقال : لمّا كان المعتبر في الاستصحاب هو الشكّ في البقاء وهو وجود ما كان موجودا في الزمان الأوّل في اللاحق ، وهو غير معقول في الأقسام الثلاثة ، فلا مجرى له فيها ، نعم يظهر من كلمات جماعة جريانه في الزمان ، ولو فرض إمكان جريانه فيه لكان جاريا في القسمين الآخرين بطريق أولى.
ثمّ صار بصدد تحقيق المقام ، فقال في القسم الأوّل ما محصّله أنّه لا يعقل له البقاء حقيقة وبلا تجوّز وعناية ، نعم مبنيّا على المسامحة والتنزيل بأن ينزّل مثلا وجود الجزء الأوّل من الليل منزلة وجود كلّه ، وينزّل وجود الأجزاء الباقية منزلة بقائه ، صحّ اعتبار اليقين والشكّ وإجراء الاستصحاب في الليل مثلا بهذه الملاحظة عند الشكّ في انقضائه ، ولكنّه لا ينفع لتطبيق عنوان الليل على الجزء المشكوك فيه لو