إذا عرفت المراد باحتفاف الكلام بالصالح للقرينية ، نقول : فيما نحن فيه بما انّ رجوع الاستثناء إلى الجمل السابقة مجمل عرفا ، فلا يوجب إجمالها ، ولا يكون ذلك من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية ، بل يجري فيها أصالة العموم ، والآية الشريفة من هذا القبيل ، فانّ ذكر الموصول في قوله تعالى (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(١) بمنزلة تكرار الموضوع ، فالاستثناء يرجع إلى خصوص هذه الجملة دون الجمل السابقة ، فالحكم بالجلد وسقوط الشهادة لا يسقطان بالتوبة كما ورد ذلك في الاخبار أيضا. هذا كله في القسم الأول.
ويجري ما ذكرناه في القسم الثاني أيضا ، وهو فرض اختلاف الجمل بتعدد الموضوعات فقط مع وحدة المحمول ، فانّ الموضوع فيه حقيقة واحد ، وهو عنوان جامع لتلك الموضوعات ، والتكرار انما هو لعدم وجدانه عنوانا جامعا ، ويجري في القسمين المزبورين من تكرار المحمول وعدمه بجميع مزاياهما ، فلا نعيد.
وبهذا ظهر الحال في القسم الثالث الّذي هو خامس الأقسام على ما عرفت ، فانّ الاستثناء فيه يرجع إلى خصوص الجملة الأخيرة دون غيرها ، والاحتمال مندفع بالأصل كما تقدم.
وبالجملة الضابط في الكلام المحتف بما يصلح للقرينية هو انه بعد ما جرى بناء العرف والعقلاء على تفهيم مراداتهم بالظهور المستند إلى الوضع أو إلى قرائن عامة التي منها الإطلاق ومقدمات الحكمة لا يصح للمتكلم ان يتكل في إرادة خلاف الظاهر إلّا على ما يكون ظاهرا في ذلك بنظر العرف ، والمخالف يعد محكوما في محاكم العقلاء ويحتج عليه لا محالة. وعليه فان كان ما يحتمل السامع قرينيته على إرادة خلاف الظاهر مما يحتمل ظهوره في القرينية عرفا وهو جاهل فلا محالة يوجب
__________________
(١) النور ـ ٤.