أيضا بعد ذلك لم يقدح في الصحة ، لا لأنّ الأمر الظاهري مفيد للإجزاء بل لعدم التنافي بين الحكمين ، وما نحن فيه أولى بالجواز لو قيل به ثمّة ، لأنّ الأمر بالصلاة والوضوء في المثالين ظاهري وواقعي أيضا للحكم بالصحة حتى مع كشف الواقع ، بخلاف ما نحن فيه فإنّ أحد الحكمين من الحلية والحرمة واقعي والآخر ظاهري فقط.
وفيه : أنّ ذلك إنّما يتم لو كان الحكم الواقعي والحكم الظاهري نوعين من الحكم كأن يكون المراد بالحكم الواقعي مجرّد المصلحة والمفسدة أو المحبوبية ، وبالحكم الظاهري إنشاء طلب الفعل أو الترك مثلا ، وأما بناء على ما هو التحقيق من أنّ الحكم الواقعي أيضا إنشاء طلب الفعل أو الترك حقيقة من المكلف كالظاهري غير أنّ ما يصح العقاب على مخالفته لعلم المكلف به يسمى ظاهريا وما لا يصح العقاب على مخالفته لجهل المكلف به يسمى واقعيا فقط ، فالتناقض بحاله لأنّ الحكمين من سنخ واحد لا يجوز اجتماعهما في محلّ واحد ، وما ذكر من النظير فإنّه مردود على قائله لعين ما ذكرنا ، بل لو قلنا فيما نحن فيه بجواز الاجتماع لا نقول هناك لما عرفت من أنّ الحكم الظاهري هناك واقعي أيضا ، فباعتبار كونه واقعيا يحصل التنافي بين الحكمين اتفاقا.
الثالث : أنّ الحكم الواقعي حكم شأني وبالقوّة والحكم الظاهري حكم فعلي ، ومن شرائط تحقق التناقض اتحاد القضيتين في القوة والفعل ، فإذا كان أحد الحكمين المتنافيين بالقوة والآخر بالفعل لم يتحقق التناقض كأن يقال : زيد كاتب بالقوة ليس بكاتب بالفعل ، وهنا يقال : شرب التتن حرام بالقوّة ليس بحرام بالفعل فلا تنافي بينهما.
وفيه : أيضا نظر ، لأنّ المراد بالقوة في مثال الكاتب هي قابلية اتصاف زيد