التبيّن بالفاسق والتعليل بإصابة قوم بجهالة والإصباح بالندم يفيد جواز الركون إلى كل خبر يعتمد عليه في طريقه العقلاء ، فكأنّه قال : لا تعتدّوا بخبر الفاسق الذي يكون متابعته من عمل الجهّال ومن غير رويّة وموجب للوقوع في الندامة وهي ملامة النفس من ارتكابه ، واعملوا بكلّ خبر يكون متابعته من رويّة العقلاء ولا يوجب الندم ولا يلام ارتكابه ، ثم ندّعي أنّ خبر الفاسق المتحرّز عن تعمّد الكذب أو المجهول العدالة الممدوح في لسان أصحاب علم الرجال أو الخبر الضعيف المنجبر بعمل الأصحاب مما يعتمد عليه في طريقة العقلاء فتكون حجة بمقتضى الآية ، فتثبت بها حجية الخبر بأقسامها الأربعة كما أراده هذا القائل.
وعلى هذا الوجه مفاد الآية تقرير عمل العقلاء في العمل بالأخبار والتنبيه على أنّ العاقل لا ينبغي أن يعتمد على مجرّد خبر الفاسق ، وهذا مما قد يحصل الغافلة عنه فلهذا حسن التنبيه عليه.
وإن أبيت عن ذلك وقلت : إنّ العقلاء لا يعتمدون على الخبر إلّا إذا حصل لهم الاطمئنان منه ، فمفاد الآية على هذا لا يزيد على حجية الخبر المفيد للاطمئنان كما استظهره المصنف من الآية على ما سيأتي.
قلنا : نثبت المدّعى بوجه آخر وهو أنّه لما ثبتت حجية قول العادل بمقتضى المفهوم يفهم أنّه ليس من إصابة قوم بجهالة وليس من مورد الإصباح بالندم ، فنستكشف من ذلك أنّ كل خبر بلغ بمرتبة قول العادل في الوثوق لا يوجب متابعته الوقوع في الندم وهو حجة ، وذلك ما أردناه.
ولا يخفى أنّ هذا الوجه يقتضي حجية مطلق الظن البالغ بهذه المرتبة من أي سبب كان ، سواء كان في الأحكام أو في الموضوعات ، ولا يرد عليه شيء سوى ما أورده المصنف على ما استظهره من إفادة الآية حجية الخبر الموجب