والحاصل أنّ المتكفّل للرجوع إلى علمه أو ظنّه دليل واحد غير أدلّة جعل الأمارات ، فإذن المثال الصحيح هو المثالان الأوّلان ، وما تقدّم من قوله الخمر المعلوم حرام بناء على اعتبار العلم باعتبار كشفه جزءاً للموضوع ، إلّا أنّ هذا مثال فرضيّ لا واقعي.
نعم يمكن التمثيل لهذا القسم من القطع الموضوعي بمثل قوله لا تنقض اليقين إلّا بيقين ، فإنّ اليقين الناقض والمنقوض كلاهما اعتبر موضوعا للحكم الظاهري مع أنه طريق إلى الحكم الواقعي ، وكذا قوله في أدلّة أصل البراءة : «كل شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه» (١) وكذا قوله في دليل أصالة الطهارة «كل شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر» (٢) فإنّ العلم الذي هو طريق إلى الحرمة والقذارة الواقعية قد جعل غاية للحكم بالحلية والطهارة الظاهرية ، وقد ضرب المصنف في النسخ المتأخّرة على قوله كالأمثلة المتقدّمة ، ولعلّه تفطّن لما ذكرنا من عدم مطابقة أكثر الأمثلة لما أراده.
قوله : قامت الأمارات والأصول مقامه (٣).
(١) أمّا قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية على التصوير الأوّل من الوجهين المتقدّمين وهو ما أخذ مطلق الكشف في الموضوع ، فلأنّه بعد جعل الشارع الظنّ أو البيّنة مثلا بمنزلة العلم يتحقق مصداق آخر للموضوع ، إذ الموضوع كان ما أخذ فيه مطلق الكشف ، وانحصر أفراده بحكم العقل في العلم ، فلمّا جعل الشارع غير العلم أيضا بمنزلته في الكشف
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.
(٢) المستدرك ٢ : ٥٨٣ / أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٤.
(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٣ ولكن في بعض النسخ «وبعض الأصول».