تحقق نفس الموضوع في فرد آخر لا محالة ، ويرجع ذلك في اللبّ إلى توسّع في الموضوع ، فكأنّه أخذ في الموضوع إمّا العلم أو الظنّ أو البيّنة ابتداء ، ويتّضح ذلك فيما لو صرّح أوّلا بأنّ الموضوع مطلق الكشف ولو تنزيلا.
وببيان آخر نقول : لا شكّ أنّ القطع الذي أخذ باعتبار الكشف في الموضوع بالنسبة إلى متعلّقه طريق محض ويقوم مقامه الأمارات ، فإذا أخذ ذلك القطع بذلك الاعتبار جزءاً للموضوع يلزمه قهرا أن يكون الموضوع إمّا نفس ذلك القطع أو ما يقوم مقامه ، وذلك ما أردنا (١).
فإن قلت : إنّ دليل حجيّة الأمارات لا يفيد المقصود من تحقّق الموضوع لأنّ مفاده ليس إلّا جعل مؤدّاه واقعا لا واقعا مكشوفا ، مثلا إذا قال : الخمر المعلوم حرام ، وقال : قول العادل حجة ، فأخبر العادل بأنّ هذا المائع خمر فدليل حجيّة قول العادل لا يفيد سوى الحكم بخمرية هذا المائع لا أنّه خمر معلوم ، إذ المخبر به هو الخمرية لا الخمرية المعلومة وموضوع الحكم هو الثاني لا الأول ، فما هو موضوع الحكم لم يخبره العادل فلم يثبت ، وما أخبره ليس موضوعا ولا أثر له ، فكيف يقوم الأمارة مقام القطع في تحقّق الموضوع.
قلت : لمّا كان ما أخذ في الموضوع هو القطع بوصف كونه طريقا ، والمفروض أنّ الشارع نزّل قول العادل منزلة القطع في الطريقية ، يفهم منه ثبوت الواقع المخبر به وثبوت الطريق إليه أيضا بهذا الجعل والتنزيل ، فكأنّه قال : اجعل إخبار العادل بالخمرية مثلا بمنزلة علمك بالخمرية في جميع ما يترتب على العلم بالخمرية من حيث كونه طريقا.
__________________
(١) أقول : هذا إنّما يتمّ لو جعل الموضوع القطع باعتبار الكشف وما يقوم مقامه أوّلا ، وإلّا فالمتكفّل لقيام الأمارات مقام القطع دليل الأمارات فيرجع إلى البيان الأوّل.