قلت : ليس كذلك ، لأنّ إثبات مقدمة من مقدمات هذا الدليل بالدليل الأول لا يوجب رجوعه إليه ، ومن هاهنا يعلم أنّ أخذ العلم الإجمالي بالتكاليف الفعلية غير لازم في مقدمات هذا الدليل ، بل أخذ العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية أيضا غير لازم ، إذ قد عرفت أنّ الظن بثبوت التكليف واقعا وظاهرا يكفي في الحكم بعدم إهمال المكلف بحكم العقل المستقل بوجوب دفع الضرر المظنون بعد فرض عدم جريان أدلة البراءة.
وكيف كان فقد علم أنّ هذه المقدمة الثانية محتاج إليها في الاستدلال بهذا الدليل ، وإن شئت فقل إنّها عبارة أخرى عن العلم ببقاء التكليف كما عبّر به غير واحد ممن تعرّض لتقرير دليل الانسداد.
وقد يقال : إنهما متغايران وكلا الأمرين محتاج إليه في تقرير دليل الانسداد ، فتكون المقدمات على هذا خمسة : بقاء التكاليف الواقعية واقعا ، وانسداد باب العلم إليها ، وعدم جواز إهمالها بالمرة ، إلى آخر المقدمات ، فالمقدمة الأولى ناظرة إلى ثبوت التكاليف الواقعية بواقعيتها في مقابل عدم ثبوت التكليف لنا رأسا كالبهائم والصبيان ، والمقدمة الثالثة ناظرة إلى مرحلة التنجّز وأنه يجب التعرّض لامتثال التكاليف الواقعية المعلومة بنحو من الأنحاء في مقابل أن يقال سلّمنا ثبوت التكاليف الواقعية لكنها شأنية ليست بفعلية ولا يلزمنا التعرّض لها كالجاهل القاصر.
وجوابه : أنّ هذا يتمّ على القول بأنّ التنجّز أيضا مما يجب إثباته لأنه مرتبة من مراتب الإنشاء في التكليف ولا يتحقق التكليف الفعلي إلّا به. وأما على ما هو التحقيق من أنّ حقيقة الحكم المنجّز وغير المنجّز شيء واحد بالنسبة إلى المنشئ وبالنسبة إلى المكلف أيضا ، فإن كان بحيث يصح العقاب على