«ومنهم من هو في خلق الغمام الدُّيح ، وفي عظمِ الجبال الشمَّخ ... وفي فترةِ الظلامِ الأيِهمِ ، خَرَقت اقدامُهمُ تخومَ الارضِ السّفلى فهي كراياتٍ بيضٍ قد نفذت في مخارقِ الهواءِ ، وتحتها ريحٌ هفافة ، تحبسُها على حيثُ انتهت من الحدود المتناهيةِ ، قد استفرغتهم اشغالُ عبادتِهِ ، ووصلت حقائق الايمانِ بينهم وبين معرفته ... قد ذاقوا حلاوة معرفته ، وشربوا بالكأس الرويَّة من محبتِهِ!» (١).
ولدينا المزيد من الروايات الاخرى بشأن تقسيم المسؤوليات فيما بين الملائكة ، لو ذكرناها جميعاً لطال بنا المقال (٢).
ويمكننا أن نستخلص ممّا تقدم ذكره آنفاً المفهوم القرآني التالي : لو أرادت البشرية أن تساير نظام ربوبية الباريء جلّ وعلا في الوجود وتطبق نظام ادارته في عالم التكوين ، لابدّ لها أن تهتم وبكل دقة بمسألة تقسيم الأعمال والمسؤوليات في المجتمع الإنساني ، لكي تقترن حياة أفراد المجتمع بالموفقية والنجاح.
وبعبارة أخرى : نحن نعلم أنّ نظامي التكوين والتشريع يجب أن يعملا بشكل متناغم ، ولابدّ لحياة البشرية أن تستلهم فلسفتها من خلقة الباري جلّ وعلا وتصطنع بصبغة الله تعالى ، وأنّ كل ما هو حاكم هناك يجب أن يكون هو الحاكم هنا.
إنّ الاهتمام والالتفات إلى هذه الحقيقة يدعونا إلى مسألة تنظيم الامور التنفيذية.
* * *
النظام التنفيذي في عصر النبي صلىاللهعليهوآله :
بالرغم من أن الحكومة الإسلامية على عهد الرسول صلىاللهعليهوآله كانت بسيطة جدّاً ، إلّاأنّه في نفس الوقت كانت مسألة تقسيم المسؤوليات في النظام التنفيذي لهذه الحكومة ، واضحة جدّاً ومدروسة بشكل دقيق.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٩١ (خطبة الاشباح).
(٢) وللمزيد من الايضاح بشأن أصناف الملائكة عليكم بمراجعة بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ١٧٤ ومايليه.