نُقاتِلْ فِى سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيتُم ان كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ ألَّاتُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنا أَلَّا نُقاتِلَ في سَبِيلِ اللهِ وَقَد اخرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبنَائِنَا). (البقرة / ٢٤٦)
مع أنّ هذه الآية تشير إلى أبعاد وآثار وجود الحاكم على قوم أو شعب في مسألة الجهاد ضد العدو الخارجي وتطهير الأرض من دنس الأجنبي وتحرير الأسرى ، إلَّاأنّها تتعدى إلى أبعاد معانٍ اخرى حيث تصدق فيها كذلك.
والقرآن يوضح بهذا التعبير أنَّ الوصول إلى الحرية والاستقرار الاجتماعي مستحيل بدون وجود الحكومة والحكم القوي ، وقد يُتصور هنا أنّ بني اسرائيل أرادوا قائداً للجيش فقط لا حاكماً عليهم ، إلّاأنّه يجب ملاحظة كلمة (ملك) والتي تعني الحاكم على جميع الشؤون وإن كان المعنى العام للقصة يشير إلى وجود ساحة قتال مع عدوّ خارجي.
والحقيقة أنّ النبي (أشموئيل) في ذلك الوقت كان يمتلك صلاحية قيادة المجتمع كذلك ، بينما كان لطالوت الذي انتخبه لبني اسرائيل دور القائد للجيش.
٢ ـ وقد ورد في القرآن الكريم في ذيل هذه الآيات المذكورة ، خبر اندحار جيش جالوت في مقابل بني اسرائيل ، حيث يقول : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلكَ وَالحِكمَةَ وعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَولَا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدتِ الأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ). (البقرة / ٢٥١)
وتشير الجملة الأخيرة إلى أنّه لولا وجود حكومة قوية ومهيبة تقف بوجه الطغاة والخارجين على القانون ، لامتلأت الأرض بالفساد ، وعلى هذا فإنّ الحكومة العادلة هي هبة من الله للحدّ من الفساد الديني والاجتماعي.
٣ ـ وقد ورد معنىً مشابه لهذا في سورة الحج حيث تقول بعد اعطاء الضوء الأخضر للمسلمين للجهاد ضد الاعداء : (الَّذِينَ اخرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّا انْ يَقُولُواْ رَبُّنَا اللهُ وَلَولَا دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وبِيَعٌ وصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيراً). (الحج / ٤٠)
وهنا أيضاً كان الحديث عن دور الحكومة في البعد الجهادي ، ولكن من الطبيعي أنّ الجهاد من دون التشكلات المنظمّة السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة لا يمكن تحقيقه ،