ويعبّر عن الأشخاص الذين يريدون أحكاماً غير إلهيّة (كبعض اليهود الذين اختلفوا فيما بينهم فجاؤوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله وكانوا يريدون منه أن يصدر حكماً مطابقاً لرغبتهم) بقوله :
(افَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ احْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَّوْمٍ يُوقِنُونَ). (المائدة / ٥٠)
٥ ـ يقول القرآن الكريم في مكان آخر معلماً للنّبي الكريم صلىاللهعليهوآله بأن يقول :
(افَغَيْرَ اللهِ أَبتَغِى حَكَماً وَهُوَ الَّذِى انْزَلَ الَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً). (الأنعام / ١١٤)
٦ ـ ويأمرنا القرآن الكريم بحل اختلافاتنا بواسطة تحكيم الله تعالى ، بقوله :
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَىءٍ فَحُكْمُهُ الَى اللهِ). (الشورى / ١٠)
* * *
يستفاد من مجموع هذه الآيات وآيات اخرى بصورة واضحة أنّ نظرية القرآن في هذا الموضوع تقضي بأنّ الحاكم والقاضي هو الله تعالى ، وكذلك من جعله الله تعالى قاضياً وحاكماً من قبله ، وما سوى ذلك فهو حكم الشيطان والطاغوت والجاهلية.
وعلى هذا لابدّ في سلسلة مراتب القضاة في الحكومة الإسلامية أن تنتهي إلى أمر وإذن الله تعالى وتكتسب المشروعية منه ، فالرسول الكريم صلىاللهعليهوآله قد حصل على هذا المنصب من الله تعالى ، والأئمّة المعصومون عليهمالسلام أيضاً قد انتخبوا لهذا المقام من قبل الله تعالى وبواسطة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والقضاة الإسلاميون يكتسبون مشروعيتهم من الأئمة عليهمالسلام.
وقد بيّن القرآن الكريم هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى :
(وَاللهُ يَقْضِى بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَايقضُونَ بِشَىءٍ). (المؤمن / ٢٠)
إذن فقضاء الله تعالى وأوليائه هو المقبول والصحيح ، لا التحكيم الجاهلي وغيرالإلهي.
وهذا المعنى أيضاً ورد بصراحة أكثر في الروايات الإسلامية في أبواب القضاء منها :
١ ـ ورد عن الإمام الصّادق عليهالسلام قوله :
«اتَّقُوا الْحُكُومَةَ فَانَّ الْحُكُومَةَ إِنَّما هِيَ لِلِامامِ الْعالِمِ بِالْقَضاءِ الْعادِلِ فِي الْمُسْلِمينَ ، لنَبيِّ أو وصيّ نبيٍّ» (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، أبواب صفات القاضي ، باب ٣ ، ح ٣.