المعارضين طلب من أبي يوسف أنْ يكتب طرحاً في كيفية التعامل مع السّجناء من وجهة النّظر الإسلاميّة والفقه الإسلامي ، وقد أكدَّ هارون الرّشيد على كيفية التعامل مع السّارقين والأشرار والمخالفين عندما يلقي عليهم القبض ، وإنّه هل يجب تهيئة الطّعام لهم؟ وإن كان واجباً فهل يجب أخذه من مورد الزكاة أم من محل آخر؟ وكيف يتعامل معهم بنحو كلي؟
ومن الواضح أنّ هارون الرشيد لم يكن يهمه أمر السّجناء وإنّما اضطره الضّغط الجماهيري لذلك.
فكتب أبو يوسف طرحاً مفصلاً وموسعاً في هذا المجال وأرسله إلى هارون الرّشيد وكان طرحه متسماً
بالصّراحة والشّجاعة في عدّة موارد من فقراته ، وقرن ذلك بالإنتقاد الشّديد للوضع الرّاهن حينذاك من دون أن يحدد الإجابة بالموارد التي أرادها لهارون الرّشيد ، لإنّه كان يعلم جيداً بأنّ أكثر سجناء الحكم العباسي هم من السّياسيين!
وتتلخص هذه الرّسالة التّاريخية بإثنتي عشرة فقرة نذكرها هنا :
١ ـ إذا لم يكن للسجناء شيء ممّا يأكلون منه ، فيجب أن يُصرف عليهم من الزكاة أو «حق الفقراء» أو من بيت المال أو من «الأموال العامة».
٢ ـ يجب أن يصرف على أي من السجناء مبلغ من بيت المال وذلك لتأمين قوتهم ، ويحرم عدا ذلك.
٣ ـ واعلم أنّ الأسير من أسرى المشركين لابدّ وأن يُطعم ويُحسن إليه حتى يحكم فيه ، فكيف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب أيترك ليموت جوعاً؟
٤ ـ ولم تزل الخلفاء ، يا أيّها الخليفة تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وكسوتهم في الشتاء والصيف ، وأول من فعل ذلك الإمام على بن ابي طالب عليهالسلام وحذا من جاء بعده حذوه.
وحدثنى بعض الرواة ، حيث قالوا : إنّ عمر بن عبدالعزيز كتب إلينا ما نصه : لا تدعن في سجونكم أحداً من المسلمين في وثاق لا يستطيع أن يصلي قائماً ، ولا يبيتن في قيد إلّا رجلاً مطلوباً بدم.