وباعتقاد البعض ، فإنّ جذور هذه المسألة تعود إلى عصر النّبيّ صلىاللهعليهوآله حيث كان صلىاللهعليهوآله يمارس عمل المحتسب بنفسه الشّريفة ، وتارة كان يوكل الأمر إلى شخص ينتخبه لهذا الغرض ، ولكن لابدّ من الإلتفات إلى أنّ استعمال هذا المصطلح لم يكن معمولاً به في ذلك العصر ، ولم يكن موجوداً في كلام الفقهاء المتقدمين ، ويبدو أنّ هذا المصطلح استعمل لأول مرّة ، في عصر خلفاء بني أُميّة وبني العبّاس ، حيث انتخب لهذا الشق من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
وعلى أيّة حال ، فإنّ الأخبار الواصلة عن عصر النّبيّ صلىاللهعليهوآله تدل على أنّ كلمة «الحسبة» وإنْ لم تكن متداولة في ذلك العصر بمعناها ومفهومها المعهود اليوم ، ولكن مفهومها الواقعي أي ، النظارة على المسائل الاجتماعيّة من قبل الحكومة الإسلاميّة ، كان مراعىً تماماً حينذاك ، فتارة كان الرسول صلىاللهعليهوآله يقوم بنفسه بهذه الوظيفة ، واخرى ، يوكلها إلى آخرين.
ومن جملة الشّواهد على ذلك ، ما ورد من أنّ الرّسول صلىاللهعليهوآله قد أمر سعيد بن سعيد بن العاص ـ بعد فتح مكة ـ بالاشراف على السّوق ، حيث ورد في الحديث : «استعملَ رَسولُ اللهِ سعيد بنَ سَعيد بن العاص بَعْدَ الفَتح على سُوق مكّة» (١).
حتى أنّ المستفاد من بعض الرّوايات ، أنّ بعض النّساء كنَّ يمارسن وظيفة الاشراف على المسائل النّسائية (كمسائل الحجاب وأمثال ذلك) ، ومن جملة تلك النّسوة امرأة باسم «سحراء» بنت نهيك (٢) الذي أدرك عصر النّبيّ صلىاللهعليهوآله ، كانت مأمورة بالقيام بتلك الوظيفة ، فكانت تدور في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر (وإن ذهب البعض إلى أنّها لم تقم بذلك الدور في عصر النّبيّ صلىاللهعليهوآله وإنّما كان ذلك في زمن عمر بن الخطاب) (٣).
وفي كثير من المواضع ، كان النّبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله يتولى ذلك بنفسه ، خاصة في مسائل الإحتكار والغش والتدليس في المعاملة وأمثال ذلك ، ومن جملة ما ورد في ذلك : «إنّ
__________________
(١) التّراتيب الإدارية ، للكتاني ، ج ١ ، ص ٢٨٥ (ينقل الرّواية عن إبن عبد البرّ في الإستيعاب).
(٢) «نهيك» على وزن شريك ، وفي الأصل بمعنى الجمل القوي ، والسّيف القاطع ، ويقال للرّجال القاطعين الحازمين أيضاً.
(٣) المصدر السابق.