رسول الله صلىاللهعليهوآله مرَّ بالمحتكرين فأمر بحكرتِهم أنْ تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظرُ الأبصار إليها» (١) ، فاقترح النّاس أن تُعيّن أسعارها ، فرفض النّبيّ صلىاللهعليهوآله ذلك.
وفي حديث آخر ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله مرَّ على رجل خلط طعاماً جيداً برديء ، فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوآله في ذلك ، فقال الرجل : أردت أن أبيعه جميعاً فقال صلىاللهعليهوآله : «ميِّزْ كُلَّ واحدٍ منهما على حِدة ، ليس في ديننا غشّ» (٢).
وجاء في عهد الإمام عليّ عليهالسلام إلى مالك الأشتر :
«إمنَع من الإحتكار فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله مَنَعَ مِنهُ ، وليكن البَيْعُ بيعاً سَمحًا بموازين عدلٍ ، وأسعار لا تجحِفْ بالفريقين من البائع والمبتاع ، فمن قارفَ حُكْرَةً بعد نهيك إيّاه ، فنكِّل به وعاقبهُ في غيرِ إسراف» (٣).
ونقرأ أيضاً في أحوال الإمام عليّ عليهالسلام أنّه كان يتولى بنفسه الأُمور المرتبطة بالحسبة ، فكان أحياناً يمرُّ في سوق القصابين وينهاهم عن المخالفة (٤).
وكان عليهالسلام يمرَّ تارة في سوق السّماكين وينهاهم عن بيع الأسماك المحرّمة (٥).
ولكن ، وبمرور الزّمان ، اتسعت مسألة «الحسبة» واتخذت تدريجياً صورة دائرة مهمّة من دوائر الدولة الإسلاميّة ، فكان المأمورون باسم «المحتسبين» يدورون في الأزقة والأسواق والشّوارع الكبيرة ليل نهار ويراقبون الأمور الاجتماعيّة ، المختلفة ، فيعاقبون المخالفين في محل ارتكاب المخالفة أحياناً ، وأحياناً أخرى يأخذونه إلى القاضي (كما في مأموري شرطة المرور هذه الأيّام).
واتّسعت دائرة «الحسبة» إلى درجة أنّ «جرجي زيدان» المؤرخ المعروف ذكر في كتابه «تاريخ الحضارة الإسلامية» يقول :
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣١٧ ، ح ١ ، الباب ٣.
(٢) كنز العمال ، ج ٤ ، ص ١٥٩.
(٣) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.
(٤) كنز العمال ، ج ٤ ، ص ١٥٨.
(٥) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٣٣٢.