والتي يُحتمل وبشكل قوي أنّ هارون الرّشيد هو الّذي أسسها ، والتي جُمِعَ فيها كل الكتب المؤلفة في الطّبّ والعلوم الاخرى ، وكذا العلوم الإسلاميّة المدوّنة (١).
وقد قام كثير من رجال بغداد بتأسيس مكتبات أخرى تبعاً لمكتبة بيت الحكمة ، جمعوا فيها آلاف الكتب المختلفة.
ولقد كان المأمون العبّاسي ، من السّباقين في تأسيس المكتبات في الدّول الإسلاميّة ، وكان بعض حكام الأندلس قد اقتدوا به في هذا المجال.
ومن جملة من اهتم بهذا الأمر «المستنصر العبّاسي» في القرن الرّابع للهجرة ، حيث أسس مكتبة عظيمة في «قُرطبة» جمع فيها الكتب من أنحاء العالم ، وكان قد كلَّفَ جماعة من التّجار بالترحال والسّفر إلى نقاط الدنيا وشراء الكتب العلمية لتلك المكتبة ، حتى أنّ البعض قال إنّ عدد الكتب الموجودة في تلك المكتبة بلغ «أربعمائة ألف كتاب» (٢).
وهذا العدد كبير جدّاً بعد الأخذ بنظر الاعتبار أنّ كل الكتب حينذاك كانت مخطوطة ، وكانت كتابة الكتاب الواحد تستغرق أسابيع أو أشهر أو سنين.
وقد اقتدى به كثير من ملوك «الأندلس» فأسسوا مكتبات عديدة في سائر البلاد ، حتى قيل إنّ «غرناطة» كانت تضم سبعين مكتبة عامة ضخمة ، وكل ذلك إنّما هو لأجل الرغبة الشديدة واللهفة لطلب العلم والمعرفة عند النّاس ، حتى صار جمع الكتب وتأسيس المكتبات من علامات العظمة والشخصية ، فحتى الرؤوساء والملوك الذين لم يكونوا من أهل المطالعة ، كانوا يحاولون تأسيس مكتبة معتبرة خاصة في منازلهم!!
وفي زمن «الفاطميين في مصر» تأسست مكتبات كبيرة أيضاً ، كانوا يسمون بعضها «خزانة الكتب» ويصرفون أموالاً طائلة في جمع الكتب حتى أنّهم كانوا أحياناً يجمعون عدّة نسخ من الكتاب وبخطوط مختلفة وزخرفة متنوعة ، حتى ذكر التاريخ أنّ المكتبة التي أسسها «يعقوب بن كلس» كانت تضم ٣٤٠٠ نسخة مختلفة من «القرآن المجيد» و ١٢٠٠
__________________
(١) تأريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج ٣ ، ص ٢٢٨.
(٢) تاريخ الحضارة ، جرجي زيدان ، ج ٣ ، ص ٢٢٨.