أيضاً. وكان يقول : (يَا قَومِ الَيْسَ لِى مُلكُ مِصرَ وَهَذِهِ الأَنهَارُ تَجرِى مِن تَحتِى أَفَلَا تُبْصِرُونَ). (الزخرف / ٥١)
إنّه لم يقنع بحكومته المستبدة على الشعب فحَسب ، بل كان يتوقع أن يعبده الجميع ولا يعبدون غيره! ولذا قال لموسى عليهالسلام : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيرِى لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ المَسْجُونِينَ). (الشعراء / ٢٩)
وحتّى أنّه كان يتصوّر ان من يُريد الاعتقاد والإيمان بشخص يدّعي النبوّة بعد ما رأى معجزاته لا يمكن أن يفعل ذلك إلّابعد موافقته وإذنه! ولذلك نرى أنّه وبّخَ السحرة الذين آمنوا بموسى عليهالسلام بعد مشاهدة أدلّته ومعجزاته حيث قال : (قَالَ فِرعَونُ آمَنتُم بِهِ قَبلَ ان آذَنَ لَكُم). (الاعراف / ١٢٣)
ونرى انموذجاً آخر لحكومة مستبدة اخرى ألا وهي حكومة «نمرود» والذي صَرَّحَ مخاطباً إبراهيم عليهالسلام : «أنا أحيي وأميت» ولكنه واجه بعد ذلك استدلال إبراهيم عليهالسلام الدامغ عندما قال له : (فَإِنَّ الله يَأْتِى بِالشَّمسِ مِنَ المَشرِقِ فَأتِ بِهَا مِنَ المَغرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَر). (البقرة / ٢٥٨)
والحقيقة أنّ الناس جميعاً وحتى السلاطين المستبدين أنفسهم كانوا يعلمون بهذه الحقيقة وهي أنّ الملوك مفسدون في الأرض ومخلّون بأنظمة المجتمع الإنساني ، ولذا نقرأ في القرآن الكريم أنّه عندما وصلت رسالة سليمان عليهالسلام إلى بلقيس ملكة سبأ ، وبدأت تحقيقاتها حول سليمان لتبَيّن فيما إذا كان ملكاً مستبداً أو نبيّاً مُرسلاً ، فأرسلت إليه الهدايا ، وقالت معبّرةً عن قلقها : (انَّ المُلُوكَ اذَا دَخَلُوا قَريَةً أَفسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهلِهَآ اذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ). (النّمل / ٣٤)
فقد كان الملوك يضطهدون ويعذّبون مخالفيهم بأبشع الصور بل حتى يدفنوهم أحياءً ، وقد ورد ذلك في سورة البروج التي تتحدّث بعض آياتها عن أصحاب الاخدود (إذ يذكر التاريخ أنّ الملك «ذو نواس» أصْدر أمراً بحفر خندق ووضع كمية كبيرة من الحطب فيه وأشعل ناراً عظيمة ثم قذف ببعض المسلمين الذين فضّلوا البقاء على دينهم وسط تلك