ولكن ما هو جدير بالذكر أنّ الموالين لهذه الفكرة يؤيدون الحكومات التي تصل إلى دفّة الحكم عن طريق الانقلابات واستخدام القوة من قِبلَ العسكريين ويقيمون معها نفس العلاقات التي يقيمونها مع الحكومات الشعبية ، ولا يهمّهم كيف وصلت هذه الحكومة إلى سدة الحكم! المهم هي على كرسي الحكم وتستطيع تثبيت حكمها وسيادتها.
ولهذا السبب نراهم يتريثون قليلاً حينما يقع انقلاب عسكري في أي بقعة من بقاع العالم ليروا هل ينتصر ويستلم مقاليد الحكم؟ فاذا انتصر وثبّت دعائم حكمه ووطّد أركانه فعندئذ تتبارى الحكومات المادية للإعتراف به.
والاعجب من ذلك أنّ جميع فقهاء المذاهب الأربعة من السنّة ، حسب قول مؤلف كتاب (الفقه الإسلامي وادلّته) يتفقون على أنّ الإمامة والحكومة يمكن حيازتهما بالقوّة والغلبة ، وكلّ من يصل إلى الحكم بالقوّة! دون الحاجة إلى بيعة الناس أو خلافة امام ومجيء خليفة من بعده (١). وقد ورد هذا المعنى بصراحة أكثر على لسان الفقيه السنّي المعروف «أحمد بن حنبل» ، حيث لا يعتبر الإمامة مشروطة بالعدل ولا بالعلم ولا الفضيلة ، وينقل حديثاً يتضمن معناه أنّ كلّ من تغلّب على الحكم بالسيف فهو خليفة وأمير للمؤمنين ولا يجوز لأحد انكار إمامة ذلك الغالب سواء كان بارّاً أم فاجراً (٢).
وورد نظير هذا المعنى في كتاب (منهاج السنن) (٣).
وربّما خطر على بال البعض ان القول بهذا المعنى لا يصدر إلّامن أولئك الذين لا يؤمنون بأي اله أو دين ، ولكن لماذايصدر هذا القول وتلك الفتوى ممّن يدّعي الإيمان والإسلام ويتمسّك بالقيم الخاصة للحكومة كالإيمان والعدالة؟
ولكننا وبعد فهمنا لهذه الحقيقة وهي أنّهم كانوا غالباً بصدد تبرير موقف الخلفاء من بني امية وبني العباس ومسايرتهم ، حينئذٍ لا يعترينا العَجَب من اعترافهم بالحكومات الظالمة والفاجرة التي وصلت إلى سدّة الحكم بالقوة والبطش.
__________________
(١) الفقه الإسلامي وأدلّته ، ج ٦ ، ص ٦٨٢.
(٢) الأحكام السلطانية ، ص ٢٠.
(٣) كتاب المنهاج السنّة كتاب البغاة ، ص ٥١٨.