على أيّة حال ، فإننا وكلّما نظرنا بمنظار القرآن الكريم إلى هذه المسألة يتّضح لنا بجلاء أنّ الحكومة هي من حقّ الذات المقدّسة للخالق ثم لمن يراه عزوجل صالحاً لذلك.
فقد ذكر القرآن الكريم هذه الآية في أكثر من مكان : (إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ). (الانعام / ٥٧) (يوسف / ٤٠ ـ ٦٧)
ونرى نفس هذا المضمون في آيات اخرى.
إنَّ كلمة «حُكم» تتضمّن معنىً واسعاً حيث تشمل (الحكومة) و (القضاء) كذلك.
والواقع أن توحيد الخلقة ملازمٌ لتوحيد الحكم ، بمعنى أننا عندما نُسَلِّم أنّ العالَم بأجمعه مخلوق من مخلوقات الله سبحانه ، علينا أن نقبل أنَّه ملكٌ تامٌ له أيضاً ، وطبيعي أن يكون الحكم المطلق لهذا العالم بيد الله كذلك ، لذا وجب أن نسير حسب أوامره ، واعتبار من يجلس على كرسي الحكم دون اذنه وأمره متعدياً وغاصباً.
هذه الفكرة النابعة من (التوحيد الافعالي للخالق) (توحيد المالكية والحكم) ، معروفة كاملاً للموحدين كما أنّ عقائد المذاهب الالحادية معروفة للجميع ، (تأمل جيداً).
ولهذا السبب فإننا نعتبر الأنبياء حكّاماً حقيقيين من قبل الله ، ولهذا السبب أيضاً بدأ الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بتشكيل الحكومة في أول فرصة سنحت له ، أي عند هجرته إلى المدينة حيث كان الوقت مناسباً لذلك.
وبعد ذلك فالحكومة من حقّ الذين عُينّوا من قِبَلهِ بواسطة أو بدونها.
وهناك روايات كثيرة تحدد الأمراء والأئمّة بعد الرسول صلىاللهعليهوآله بإثنى عشر إماماً وقد أوردنا المصادر لذلك في المجلد التاسع من نفحات القرآن بأن هذا الحقّ من نصيب الأئمّة الاثني عشر من آل البيت عليهمالسلام ، (إذ لم يظهر أيّ تفسير مقبول لتلك الرّوايات غيره).
وعلى هذا الأساس ، فإنّ الأشخاص الذين لهم حق الخلافة والحكومة في زمن غيبة الإمام المهدي (عج) هم الذين ينصّبهم الإمام بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ويتبيّن لنا ممّا قيل أعلاه أنّ الحكومة من وجهة نظر المسلم الموحِّد يجب تعيينها من قبل الله تعالى ، بل وحتى تلك الحقوق التي نقر بها للشعب فهي أيضاً تتعين من قبله تعالى ،