العدل الإلهي من مسؤولياتهم الأكيدة ، وقد استغلوا كل فرصة من أجل إثبات حقهم ، كما أنّ عدوهم كان يدرك هذا الأمر جيداً.
ولو كان الإسلام كمسيحية اليوم محدوداً بسلسلة من الأحكام الأخلاقية ، لما كان لهذه الظواهر في تاريخ الإسلام أي مفهوم ، إذ لا أحد يعارض معلماً بسيطاً للأخلاق أو زاهداً منعزلاً في زاوية مكتفياً بإقامة صلاة الجماعة.
إنّما تبدأ المعارضة حينما يتعلق الأمر بالحكومة ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فهنالك الكثير من الأحكام الإسلامية في القرآن المجيد والتي تصرخ عالياً بضرورة تشكيل الحكومة وإرساء اسسها ، وبعبارة اخرى ، فهذه الأحكام أحكام سياسية ، وهي الّتي ترسم الخط السياسي للمجتمع الإسلامي.
هناك آيات قرآنية كثيرة حول الجهاد ، وتكليف المجاهدين ، وغنائم دار الحرب ، والشهداء ، والاسرى ، فهل يا ترى بالإمكان توجيه مثل هذه الأحكام خارج نطاق الحكومة؟
الكثير من الآيات القرآنية سلطت الأضواء على مسؤوليات القاضي ، وأحكام القضاء ، وتطبيق الحدود والقصاص وأمثالها ، والكثير منها ناظر إلى أموال بيت المال.
وأمّا فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي من واجبات كل فرد مادام في حدود التذكير والأوامر والنواهي الكلامية ، لكن بعض مراحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحتاج إلى الصلابة والقوة ، بل وحتى المواجهة العسكرية المسلحة غير ممكنة إلّا عن طريق الحكومة.
وتطبيق العدالة الاجتماعية وإقامة القسط والعدل ، وفتح الطريق للتبليغ بحرية في أقصى نقاط العالم ، لا يكون بالنصيحة والموعظة والممارسات الأخلاقية أبداً ، الحكومة هي التي ينبغي أن تنزل إلى الميدان لتفك قيد الظالم عن عنق المظلوم ، وتعيد حقوق المستضعفين ، وتوصل نداء التوحيد إلى اسماع كل سكان المعمورة عن طريق وسائل الإعلام المتوفرة في كل زمان.