لمنع وقوع المخالفات والأعمال الخاطئة ، سُمّي بـ «الحكم» ، وسميت العلوم والمعارف لهذا السبب بـ «الحكمة» إذ إنّها تمنع وقوع الأعمال الجاهلة وغير العقلائية.
والملاحظة الاخرى الجديرة بالإهتمام أيضاً ، هي أن مصطلح «الحكم» في القرآن الكريم ، يأتي أحياناً بمعنى التحكيم والفصل ، وأخرى بمعنى الأمر والنّهي ، وعندما يأتي بمعنى التحكيم ، يُعدُّ أيضاً نوعاً من الأمر والنّهي الّذي يصدر عن القاضي.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما تقدم ذكره ، نعود مرّة اخرى إلى الآيات المباركة ، إذ إنّ الآية الأولى ، تصرح بأنّ الحاكمية والحكومة ، والأمر والنّهي وكذلك الولاية ، مختصة بأجمعها بالله تعالى إذ تقول : (مَالَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلىٍّ وَلَا يُشرِكُ فِى حُكمِهِ أَحَداً).
والواقع أنّ صدر الآية وذيلها هما بمنزلة العلّة والمعلول ، لأنّه عندما تختصّ الولاية بالله تعالى ، فمن الطبيعي حينئذٍ أن يقتصر الحكم والقانون أيضاً به تعالى ، ومن الواضح ، أنّ «الحكم» يشمل هنا الأمر والنّهي وكذلك القضاء والحكومة أيضاً ، لأنّ كل هذه الأمور تعدّ بمثابة فروع الولاية ، وبما أنّ الولاية منحصرة به تعالى ، إذن فالحكم من شأنه أيضاً ، بل يعتقد البعض أنّ ولاية الله تعالى تشتمل حاكميته التكوينية على عالم الخليقة أيضاً ، لإنّ ولايته في عالمي التشريع والتكوين ثابتة ، إذن فحاكميته تمتاز بالشمول والعمومية.
* * *
ويدور الحديث في الآية الثانية عن حكم الله وقضائه : (وَمَا اخْتَلَفتُم فِيهِ مِن شَىءٍ فحُكمُهُ إِلى الله).
ويقول تعالى في نهاية الآية : (ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلتُ وإِليهِ انيبُ).
وبما أنّ كل شيء (وخاصة الحكم والقضاء) بيده تعالى ، إذن يجب أن يكون التوكّل عليه والإنابة إليه فقط.
وطالما أنّ التحكيم والقضاء غير منفصلين عن الحكم والقانون (بمعنى أنّ الكثير من موارد النزاع هي من قبيل الشبهة الحكمية ، وليس الشبهة الموضوعية) ، نصل إلى أنّ الحكم والأمور والقانون أيضاً بيده تعالى فقط.