أمّا الآيات الثالثة والرابعة والخامسة ، فقد تحدثت عن الذين لا يحكمون بما أنزل الله تعالى ، ولا يعيرون لذلك أهميّة تذكر ، أو بعبارة أخرى ، يحكمون بغير حكم الله ، فقيل عنهم في إحداها أنّهم «كافرون» وفي الآية الاخرى «ظالمون» وفي الثالثة أنّهم «فاسقون» وهو قوله تعالى : (وَمَن لَم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكافِروُنَ ... فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ... فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ).
فهم كافرون بسبب إعراضهم عن أحد فروع التوحيد الافعالي ، أي التوحيد في حاكمية الله ، حيث يؤكّد هذا الفرع من التوحيد أنّه : ليس لغيره سبحانه الحق في الحكم وإصدار الأوامر ولا في الحكومة ، ولا في القضاء والتحكيم ، لذا من المسلَّم به أن من ينحرف عن هذه النظرية ، فقد ابتُليَ بنوع من الشرك.
«وهم ظالمون» : بسبب ممارستهم الظلم بحق أنفسهم والآخرين ، وتركهم جانباً الأحكام الّتي تمثل أساس سعادتهم وسبب رقي مجتمعهم ، وأخذهم بأحكام قليلة الأهميّة أو فاقدة لها تماماً ، والتي لا تأخذ بنظر الاعتبار سوى مصالح محدودة وقليلة.
«وهم فاسقون» : لكونهم تجاوزوا حدود العبودية وخرجوا عنها ، لعلمنا بأنّ معنى الفسق هو الخروج عن الواجب والأمر.
هذه التعابير الثلاثة المختلفة (الكافرون والظالمون والفاسقون) في الآيات الثلاث الآنفة دقيقة جدّاً ، ومن الممكن أن تكون إشارة إلى الأبعاد الثلاثة للقانون الإلهي ، لأنّ «القانون» ينتهي في أحد جوانبه بـ «المقنن» «الله تعالى» ، إذ تعتبر مخالفته «كفراً» ، ومن ناحية أخرى ينتهي بعباد الله تعالى ، إذ تعد مخالفته «ظُلماً» ، والثالثة ، ينتهي بشخص الحاكم والقاضي من البشر ، إذ يعد حكمه ـ «عندما يكون مخالفاً لحكم الله» ـ «فسقاً».
* * *
والآية السادسة تأمر النّبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ولا يتبع في ذلك أهواءهم ويحذرهم لئلا يفتنوه عن بعض الأحكام الّتي أنزلها الله عليه ، وهو قوله تعالى :