وكأن حديثه يقوّى قول علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ومن وافقه.
وقيل ـ أيضا ـ في تأويل الآية : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : والمحصنات من النساء حرام على الرجال إلا ما ملكت يمينك ، قال : ملك يمينه امرأته.
وعن أبي قلابة (١) قال : ما سبيتم من النساء ، إذا سبيت المرأة ولها زوج من قومها ، فلا بأس أن يطأها.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) قال : لا يحل له أن يتزوج فوق أربع نسوة وما زاد عليهن ، فهو عليه حرام كأمه وابنته وأخته (٢) : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الإماء فإنه على أربع ، وأكثر من أربع.
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٣) هنّ نسائكنّ نصيبهن ، يهاجرن ولا يهاجر أزواجهن ، فمنعناهن في هذه الآية (٤) ، ثم أنزل الله ـ عزوجل ـ في الممتحنة : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الممتحنة : ١٠] حللن لنا بعد أن نتزوجهن ، وفيه نهى عن الزنا وأباح التزويج ، فجعلوا ملك اليمين التزويج.
وأصلح التأويلين وأولاهما بالقبول ما روي عن على [بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ](٥)
__________________
(١) هو عبد الله بن زيد بن عمرو بن عامر الجرمي ، أبو قلابة ، أحد الأئمة ، روى عن عائشة وعمر ، وحذيفة وابن عباس وغيرهم ، وروى عنه قتادة وأيوب وعاصم الأحول وغيرهم ، كان من الفقهاء ذوي الألباب ، ثقة كثير الحديث. مات سنة ١٠٤ ه.
تنظر ترجمته في : تقريب التهذيب : ترجمة (٣٣٥٣) ، خلاصة الخزرجي (٢ / ٥٨).
(٢) رواه عبد بن حميد ، وابن المنذر عن ابن عباس ؛ كما عزاه لهما السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٤٧).
(٣) قال القرطبي (٥ / ٨١) : قالوا : معناه بنكاح أو شراء. هذا قول أبي العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ، ورواه عبيدة عن عمر ؛ فأدخلوا النكاح تحت ملك اليمين ، ويكون معنى الآية عندهم في قوله تعالى : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٢٤] يعني تملكون عصمتهن بالنكاح ، وتملكون الرقبة بالشراء ، فكأنهنّ كلهنّ ملك يمين وما عدا ذلك فزنى ، وهذا قول حسن. وقد قال ابن عباس : «المحصنات» العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب. قال ابن عطية : وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنى ؛ وأسند الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال سعيد : كان ابن عباس لا يعلمها. وأسند أيضا عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل قوله : «والمحصنات» إلى قوله «حكيما» قال ابن عطية : ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ، ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟
(٤) أخرجه ابن جرير الطبري (٨ / ١٦٤) رقم (٩٠١٢) ، وعزاه له السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٤٧).
(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.