أو أن يقال : إنه أراد بالنكاح الوطء ، لا العقد والتزويج على ما قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه.
والنكاح اسم للوطء والتزويج جميعا ، قال الله ـ تعالى ـ : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) [النور : ٣] وتأويله الوطء ، فكذلك الأول ، ومعنى قول علي ـ رضي الله عنه ـ حيث حمل الآية على الوطء ؛ لأنه قال لا يتزوج الأمة على الحرة. كأنه منعه من ذلك ؛ لأنه قادر على وطء الحرة ، ويتزوج الحرة على الأمة. يقول : يتزوج الأمة ولم يكن قادرا على وطء الحرة ؛ فجاز نكاحه.
أو إن كانت الآية في ابتداء النكاح والتزويج ؛ على ما قالوا ، فليس فيها حظر نكاح الإماء وبطلانه في حال الطول والقدرة ؛ لأنه أباح نكاحهن في حال عدم الطول والقدرة ، ومن أصلنا : أن ليس في إباحة الشيء وحله في حال ـ دلالة حظره ومنعه في حال أخرى ؛ دليله : قوله : (أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥٠] ليس فيه أنه لا يحل له إذا لم يؤت أجورهن ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ليس فيه حظر الأربع وإن خاف ألا يعدل ؛ فهذا يدل على أن حظر الشيء ومنعه [في حال] لا يوجب الحظر في حال أخرى ، وإباحة الشيء في حال وحله لا يوجب منعه وحرمته في حال أخرى ، على أن المخالف لما لم يجعل الإيمان المذكور في الآية شرطا لقوله ـ تعالى ـ : (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) فإذا لم يصر الإيمان شرطا في حال نكاح الإماء ، كيف صار الطول والقدرة شرطا فيه؟! إذ من قوله أن ليس له أن ينكح الأمة إذا كان له طول نكاح المحصنة الكتابية ، [فلما لم يصر هذا شرطا في ذلك كيف صار الطول والعنت شرطا؟! وهذا يبطل قوله : أن ليس له أن ينكح أمة كتابية](١) ؛ لأنه يقول : لأن الله ـ تعالى ـ شرط فيهن الإيمان بقوله : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ)(٢) فإذا لم يصر الإيمان شرطا في المحصنات كيف صار شرطا في الإماء ، وذلك كله عندنا ليس بشرط.
فإن قال قائل : إن قول الله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ ...) كذا [المجادلة : ٤] ، ليس ذلك شرطا حتى لا يجوز غيره إذا كان له طول العتاق وقدرة الصوم ما ينكر أن يكون الأوّل بمثله.
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من أ.
(٢) قال القرطبي (٥ / ٩١) : فهل يتزوج الأمة ؛ اختلف علماؤنا في ذلك ، فقيل : يتزوج الأمة فإن الأمة المسلمة لا تلحق بالكافرة ، فأمة مؤمنة خير من حرة مشركة. واختاره ابن العربي. وقيل : يتزوج الكتابية ؛ لأن الأمة وإن كانت تفضلها بالإيمان فالكافرة تفضلها بالحرية وهي زوجة. وأيضا فإن ولدها يكون حرّا لا يسترقّ ، وولد الأمة يكون رقيقا ؛ وهذا هو الذي يتمشى على أصل المذهب.