قيل : صار ذلك شرطا فيه ؛ لأنه فرض لزمه بشريطة لم يكن له الخروج والتعدى إلى غيره ، وأمّا النكاح : فليس هو بفرض لزمه بوجود الطول والقدرة والعتاق ، وما ذكر فرض لزمه بوجود الطول والقدرة عليه ، ويجوز الطعام ، لكن لم يسقط الفرض الذي لزمه عنه ؛ لذلك صار شرطا فيه ، والأول لم يصر.
فإن قال : ما معنى الآية إذن؟ قيل : معنى الآية على الاختيار والأدب ، أو على الإنفاق الذي ذكرنا ، أو ألا يختار نكاح الأمة على نكاح الحرة إذا كان له طول الحرة ؛ على ما جاء عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : أيما حرّ تزوج أمة فقد أرق نصفه ، وأيّما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه (١). لا يختار (٢) نكاح الأمة وله إلى طول الحرة سبيل.
ويجيء أن يكون قوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) ألا يحمل على الزنا ، ولكن يحمل على مخالطتهن الناس واسترقاق الأولاد ، فإذا أمنه السيد عن استرقاق الولد ، وعن ترك الاختلاط بالناس ، فعند ذلك يتزوجها ؛ إذ قلوب الناس لا تحتمل اختلاط أزواجهم بالناس واسترقاق الأولاد ، فحمل العنت على هذا أشبه من الزنا.
ومن الدليل ـ أيضا ـ على ألا يعتبر الطول على التزوج على ما قالوا : إذا تزوج أمة ثم قدر على تزوج الحرة لم يفسد نكاح الأمة ، وهو قول ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فعلى ذلك طوله في الابتداء على نكاح الحرة لا يمنع جواز نكاح الأمة ، والله أعلم.
على أن عدم الطول في الأصل لا يمنع نكاح الحرة ؛ إذ [المهر] شيء يلزم الذمة ، وعدم النفقة يمنع الإمساك عنده ؛ فدل أن الآية لعدم نفقة الحرة أشبه وأقرب من عدم طول مهر الحرة في الابتداء ؛ على ما ذكرنا.
والأصل : أن كل أمر يجوز بشرط الاضطرار ؛ فإن ارتفاع الضرورة يمنع البقاء ، فإذا لم يمنع بان أنه لا على الحل بالضرورة ، وعلى ذلك يختار لمن تحته حرة مفارقة الأمة ؛ إذ بإمساكها رقّ الولد الذي يقبح في العقل اختياره ، ومخالطة الزوجة في الطبع نفار منه ، فمثله في الابتداء ـ والله أعلم ـ مع ما قال الله ـ تعالى ـ : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وليس عن الذي فيه الضرورة شرط الصبر ، ثم القول واحد فيهن بملك المال وهو غائب عنه يخشى العنت إلى أن يبلغ ذلك أنه لا يمنع النكاح ، وجميع ما له الحرمة ، يستوى غيبة ذلك وحضرته : كنكاح الأمة على الحرة ، والأخت على الأخت ، ونحو ذلك ، مع ما لو
__________________
(١) أخرجه بمعناه عبد الرزاق في مصنفه (٧ / ٢٦٨) باب نكاح الأمة على الحرة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٥٦) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه.
(٢) في ب : يختار له.