كانت (١) خشية العنت تصير سببا للحل في شيء لكان ملك الحرة التي هي عنه غائبة ؛ إذ لم تصر الضرورة مبيحة ، فإذن بان أن الحرمة لنفس النكاح في الوجود والحل لعدمه لا للسبيل إلى ذلك وغير السبيل.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) إنما هو الضيق ؛ كقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] أي : يضيق عليكم مخالطة الأيتام.
أو الإثم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [التوبة : ١٢٨] وكل رجل فيه وسع الاستمتاع فهو يخشى الإثم ، فيجيء أن يباح له على كل حال ، أو يرجع إلى الضيق ؛ فيكون المقصود منه الإمساك دون العقد ، والله أعلم.
ثم خشية الزنا يحتمل أن يصير شرطا للحل ، وقد حصل له عقوبة ، فيها أبلغ الزجر لمن عقل من : رجم أو حد ، بل يفرض عليه اتقاء ذلك بكل وجوه الإمكان ، ومعلوم أن الله قد جعل عنه بغير النكاح سبيلا في الاستمتاع ، أيضا ، وقد جاء ـ أيضا ـ الأمر بالصيام بأنه له وجاء ، فإنما خشية ذلك خشية حظر ، لا حقيقة ، فلم يجز أن يجعل عذرا لرفع الحرمات ولقدر عليه بالمباح من الصيام.
القول في قوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) الآية ، نقول ـ وبالله التوفيق ـ : تحتمل الآية وجهين :
أحدهما : طول عقد النكاح [من ملك المهر. والثاني : طول إمساك الحرة ؛ للاستمتاع من النفقة والكسوة والمسكن ، وهذا الوجه أحق ؛ لأوجه : أن طول عقد النكاح](٢) مذكور ـ أيضا ـ في نكاح الأمة ، بقوله : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(٣) ومعلوم وجود الحرة بالمهر الذي يوصف في المعروف من المهور ، بل لعل ذلك في الحرائر أوجد ؛ إذ قد جاز نكاح الحرائر بالأشياء الضعيفة ، ومعروف وجودهن في كل عصر بدون ما يوجد من مثله الإماء ، فمحال أن يشترط في نكاح الإماء عدم ما لا يوجد السبيل إليه إلا بوجود
__________________
(١) في ب : كان.
(٢) ما بين المعقوفين سقط من أ.
(٣) قال القرطبي (٥ / ٩٤) : دليل على وجوب المهر في النكاح ، وأنه للأمة (بِالْمَعْرُوفِ) معناه بالشرع والسنة ، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهنّ من السادة ، وهو مذهب مالك. قال في كتاب الرهون : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز. وقال الشافعي : الصداق للسيد ؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة. أصله إجازة المنفعة في الرقبة ، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها. وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه : زعم بعض العراقيين إذا زوج أمته من عبده فلا مهر. وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه.