عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : نحلة ـ قال ـ : المهر (١).
وقيل : النحلة : الفريضة (٢) ، أي : آتوهن فريضتهن.
وقيل : نحلة ؛ أي : عطية (٣) ، أي : تعطى هي لا وليها ؛ وهو من النّحلى.
وقيل : نحلة : من نحلة الدّين ، أي : من الدين أن تؤتوا النساء صدقاتهن ؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية : يتزوجون النساء بغير مهورهن ؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها ، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة ؛ فيجوز أمرها.
وفي الآية ـ أيضا ـ : دليل أن المهر لها ؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)(٤).
__________________
ـ والمعنى : حتى يضمنوها ويلتزموها. فعلى هذا الوجه الأول : كان المراد أنهم أمروا بدفع المهور التي قد سموها لهن. وعلى التقدير الثاني كان المراد أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلزم ، سواء سمي ذلك أو لم يسم ، إلا ما خص به الرسول صلىاللهعليهوسلم في الموهوبة. ثم قال ـ رحمهالله ـ :
ويجوز أن يكون الكلام جامعا للوجهين معا.
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٥٥٣) (٨٥٠٧) ، وذكره السيوطي (٢ / ٢١٢) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٥٥٣) (٨٥٠٨) ، عن ابن جريج ، و (٨٥٠٦) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢١٢) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج وقتادة.
(٣) انظر : اللباب لابن عادل (٦ / ١٧١ ، ١٧٢) ، والرازي في تفسيره (٩ / ١٤٧).
(٤) قال القاسمي (٥ / ٣٦) : قال بعض المفسرين : للآية ثمرات.
منها : أنه لا بد في النكاح من صداق.
ومنها : أنه حق واجب للمرأة كسائر الديون.
ومنها : أن لها أن تتصرف فيها بما شاءت. ولم تفصل الآية بين أن تقبضه أم لا ؛ ولذا قال بعض الفقهاء : لها بيع مهرها قبل قبضه. ولبعضهم : لا تبيعه حتى تقبضه ، كالملك بالشراء.
ومنها : أنه يسقط عن الزوج بإسقاطها مع طيب نفسها. وقد رأى شريح إقالتها إذا رجعت ، واحتج بالآية.
روى الشعبي أن امرأة جاءت مع زوجها شريحا في عطية أعطتها إياه ، وهي تطلب الرجوع. فقال شريح : رد عليها ؛ فقال الرجل : أليس قد قال الله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ)؟! فقال : لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وروي عنه أيضا أقيلها فيما وهبت ولا أقيله ؛ لأنّهن يخدعن. وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه كتب إلى قضاته : أن النساء يعطين رغبة ورهبة ؛ فأيما امرأة أعطته ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. نقله الرازي.
أقول : ما رآه شريح وروي عن عمر ، هو الفقه الصحيح والاستنباط البديع ؛ إذ الآية دلت على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط ؛ حيث بنى الشرط على طيب النفس. ولم يقل : فإن ـ